أتفهم رغبة كثير من الجهات في القطاعين الخاص والعام بتعريف الناس بجهودها وإنجازاتها أو حتى منتجاتها عن طريق وسطاء مثل مشاهير شبكات التواصل وبعض الإعلاميين البارزين وأحياناً كتاب الرأي، لكن من الواضح أنها لا تدرك أن هناك سقفاً أعلى لهذه الممارسات، وحدوداً ينبغي عدم تجاوزها حتى لا يفقد هؤلاء الوسطاء مصداقيتهم، وتتهاوى شعبيتهم، وبالتالي يصبح الأمر مسرحيةً هزليةً في أعين الناس، ومحطَ سخريةٍ من قبل المتلقي.

صحيح أن مشاهير شبكات التواصل غير منظمين، ومعظمهم قليل ثقافة ومعرفة، ولا تهمهم مصداقيتهم، مما يُعجِّل عادةً من سقوطهم جماهيرياً، لكن الأمر مختلف مع الصحفيين الذين يُفترض أن يبالغوا في الحرص على مهنيتهم ومصداقيتهم وصورتهم العامة لدى الجمهور، وأكثر منهم حرصاً على المصداقية والاستقلالية كتاب الرأي الذين ينظر إليهم الناس كمشاعل تنوير، وأصحاب فكر مستقل، وليسوا مندوبي تسويق أو علاقات عامة.

هذه الحدود لا تمنع من أن ينقل كاتب الرأي رسالةَ جهةٍ ما للناس، لكن بعد أن يخضعها للنقد والتحليل، ويشيد بما يستحق الإشادة، ويشير إلى مكامن الخلل في الوقت نفسه، ويعلن قبل ذلك صراحة أنه مكلّف بنقل تلك الرسالة، وإلا فإنه ليس صاحب رأي كما يقدم نفسه أو تقدمه الصحيفة، بل مندوب دعاية في أفضل الأحوال.

إنها مسألة لا تفهمها غالباً إدارات التسويق والعلاقات العامة في كثير من القطاعات التي توجّه دعواتٍ لكتاب الرأي للقاء ممثليها أو مسؤوليها، ثم تجد كتاباً يركضون إليها ركضاً؛ لتلتقط لهم عشرات الصور التي تُظهرهم كطلاب يجلسون أمام معلمهم لتنشرها في وسائل الإعلام وحساباتها والحسابات الإخبارية في شبكات التواصل، غير مدركةٍ أنها بذلك تساهم في حرق صورتهم العامة ومصداقيتهم، وحرق الرسالة التي تريد إيصالها عن طريقهم من الأساس.

وعي كاتب الرأي ينبغي أن يحميه من الوقوع في مثل هذه الفخاخ، وعليه أن يدرك أن هناك فرقاً واضحاً بين الصحفي وكاتب الرأي، فما يُعتبر من صميم عمل الأول قد يعتبر خرقاً لصورة ومصداقية الثاني، والخلط هنا سببه جهل إدارات العلاقات العامة وفئة من الكتاب بهذه الحدود بين مهمة الصحفي ودور الكاتب للأسف.

قد يكون الصحفي أحياناً كاتب رأي، ويخلط بين المهمتين مما يوقعه في هذا الفخ، وهي مسألة بالغة الحساسية والتعقيد ينبغي أن يتنبه لها إن كان حريصاً على صورته العامة ومصداقيته في أعين المتلقين.

ختاماً.. لا بد من توضيح أن ما سبق من ملاحظات تتعلق بكاتب الرأي الحقيقي، ولا أقصد بها طبعاً مندوبي الدعاية ومتسولي المنافع المتنكرين بثياب كتاب الرأي، فهذه الفئة موجودة للأسف منذ بدء تاريخ الصحافة، وستظل موجودةً ما بقيت، لكنها لحسن الحظ فئة لا تمتلك أي تأثير حقيقي، وسوف تبقى كذلك؛ لأن المتلقي أكثر وعياً منها، ومن الصعب أن تنطلي عليه حيلها أو أن لا يتنبه بفطرته لممارساتها البهلوانية.