تعد القضية الفلسطينية من أهم الثوابت الرئيسة لسياسة المملكة منذ عهد المغفور له الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- بدءًا من مؤتمر لندن عام 1935 المعروف بمؤتمر المائدة المستديرة الذي جرت فيه مناقشة القضية الفلسطينية، ولا زالت حتى اليوم تجد الاهتمام من قبل ولاة الأمر، ولا يحق لأي كان أن يناور، أو يزايد، أو حتى يقلل من حجم هذا الاهتمام، فالمواقف واضحة وضوح الشمس، حتى أن (ونستون تشرشل) رئيس وزراء بريطانيا في خمسينات القرن الماضي، والذي يعد من أبرز القادة السياسيين الذين لمعوا على الساحة السياسية آنذاك، وصف الملك عبدالعزيز قائلاً بأنه (أصلب وأعقد حليف لنا يعارضنا بالنسبة للقضية الفلسطينية) بعد أن أسس قنصلية عامة للمملكة في القدس عام 1943 لتسهيل الاتصالات بالشعب الفلسطيني وتيسير الدعم لقضيته العادلة، وتبع ذلك قيام الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز -يرحمه الله- بزيارة تاريخية للمسجد الأقصى وقبة الصخرة عام 1966، وأعلن من هناك عن تضامن المملكة مع الأشقاء الفلسطينيين والوقوف معهم حتى التحرير، وكان قد زارها من قبله الملك سعود بن عبدالعزيز -يرحمه الله- بتكليف من والده لاستجلاء المصير الذي ستؤول إليه المدينة المقدسة والمسجد الأقصى، والتي تم على إثرها عقد مؤتمر لندن الذي توصلوا فيه إلى اتفاق تم بموجبه إيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين مقابل إيقاف الثورة الفلسطينية ضد الوجود البريطاني.

ليس ذلك فحسب، بل وإن جلالته قد دافع عن استقلال سوريا ولبنان من الانتداب الفرنسي، نعيد هذا للتاريخ، وللذين يصرخون عبر القنوات الفضائية الصفراء همزًا ولمزًا يتهموننا بأننا بعنا قضاياهم، وأوقفنا كفاحهم، وأضعفنا مواقفهم، وهم يدركون جيدًا من الذي تاجر بالقضية وشق الصف، وأنهى القضية باعترافه بإسرائيل ومنحها الحق في الوجود.. وللذين يرددون بأننا لم نقف يومًا في ساحة حرب ولم نطلق رصاصة ضد المحتل، فالتاريخ يشهد بأننا كنا في مقدمة الصفوف، فعلى المستوى القتالي، شاركت القوات السعودية في الحرب ضد إسرائيل عام 1967 ضمن الجبهة السورية في (الجولان وتل مرعي) وخاضت معارك طاحنة مع الإسرائيليين، وقامت المملكة أثناءها بإنشاء جسر جوي لإرسال جنودها للجبهة السورية، كما أرسلت قوات من لواء الملك عبدالعزيز، وفوج مظلات، وفوج مدفعية، وسرية إشارة، وسرية هاون، وفصيل صيانة مدرعات، وعلى الجبهة الأردنية، وضع الملك فيصل جميع موارد بلاده تحت تصرف الأردن، وأمر بأن يتم تسليم كل ما تملكه المملكة من طائرات تحت عهدة سلاح الجو الأردني، ووضع جميع القوات الشمالية تحت تصرف القيادات الأردنية التي كانت تضم 55 ألف جندي جميعهم كانوا على شمال العقبة، وبقي الجيش مرابطًا في الأردن مدة 10 سنوات، هذا غير قرار إيقاف النفط الذي اتخذه الملك فيصل، والذي أضر باقتصاد الغرب الداعم لإسرائيل.

ولن نتحدث عن مليارات الدولارات التي دفعتها المملكة منذ عهد الاحتلال إلى اليوم دعماً للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بعضها سنوي والبعض الآخر شهري، علاوة على الدعم الذي تدفعه للصليب الأحمر الدولي لشراء أدوية ومعدات طبية وأغذية للفلسطينيين، وفيما يتعلق بالدعم المادي الذي تعدى مئات المليارات لا تتسع المساحات لتوضيحها ولا تقف عند حد، اعترف بها رئيس السلطة الفلسطينية، هذا كان ردًا على الذين يتهموننا بأننا لم نطلق رصاصة واحدة ولم ندفع دولارًا واحدًا دعمًا لأصحاب القضية.