تعليقات كثيرة وصلتني، تتناول المقال الذي نشرته "الرياض" الأسبوع المنصرم، والذي ركز على فكرة رئيسة قوامها "قوة الجامعات بتنوع ثقافاتها".

أحد القراء الكرام علق في "تويتر" متسائلاً عما سيضيفه طلاب منطقة "حفر الباطن" مثلاً لبقية الطلبة في مناطق السعودية الأخرى، والعكس صحيح.

القارئ العزيز ينطلق في مداخلته من وجهة نظر ربما تعتبر أن هنالك ثقافة عُليا وأخرى صغرى، وبالتالي، ثقافة رئيسة وأخرى هامشية، وهنا تأتي ثنائية المركز والأطراف؛ وهي مقاربة شخصياً لا أعتقد بصحتها، لأن الثقافة ليست منتجاً احتكارياً على عرقٍ أو دين أو طبقة معينة، هي الوحيدة القادرة على إنتاجها، وعلى الآخرين تلقي هذا المنتج والتسليم به، والتعامل معه كأفكار ذات جودة عالية، متسامية، لا تناقش، وعليه، يجب أن تقدمها على ثقافتها المحلية، والتي هي ثقافة رثةٌ، متخلفةٌ، لا ترتقي لأن تكون مصدر فعلٍ أو إلهام!

أود هنا أن أسرد تجربة شخصية، عندما كنت طالباً في كلية "العلوم"، بجامعة "الملك سعود" في العاصمة الرياض، العام 1993.

وقتها انتقلت من المنطقة الشرقية إلى الوسطى، حيث فروقات عدة، جغرافياً، ثقافياً، وأيضا اجتماعياً؛ وعليه ذهبت وأنا بحمولة ثقافية محلية، وجدتها أمام اختبار أكبر وأوسع، رغم أنني لم آتِ من بيئة منغلقة، بل كنت منذ صغري أجوب بين مدنٍ مختلفة، كان لوالدي - رحمه الله - فضل كبير فيها، عندما كنت أصحبه في جولاته التجارية إلى الدمام والخبر والجبيل، وأيضاً عندما كنت أذهب إلى منزل ابن عمي، الذي كان أستاذاً جامعياً في مدينة الرياض، وهي التجارب التي كانت مفيدة جداً، لأنها أتت أثناء تكويني الباكر.

بين أروقة "جامعة الملك سعود"، وفي بهوها الواسع، الذي يجتمع فيه الطلبة من مختلف الكليات، تعرفت على شُبان من المنطقة الشرقية، من مُدنٍ وقرى قريبة مني، لكني لم أكن على تواصل معهم: الخويلدية، الجارودية، صفوى، سيهات، أم الحمام.. وسواها، رغم أن هذه الأماكن لم تكن تبعدُ عن القطيف سوى دقائق بالسيارة، وكنت أذهب لها وأزورها، إلا أنني لم أكن أعرفها بالشكل الكافي، ولم أخض تجارب حياتية مع سُكانها.

ذات الشيء مع زملاء الدراسة من الهفوف، الرياض، جدة، أبها، الطائف، نجران، وسواها من مدن المملكة.

لقد كانت سنوات الدراسة مختبراً حقيقياً لكي أتعرف على "شركائي في الوطن"، على السعوديين الذين هم جزء مني وأنا جزء منهم، إلا أنه لم يكن بيننا تواصل، بسبب الحواجز المصطنعة، والخطابات الانعزالية التخويفية، التي وضعت كل فريق في عزلة لا شعورية!

هذه الحواجز التي تبنى باسم المذهب أو المنطقة أو اللون، تلاشى كثير منها في أروقة الجامعة، لا أقول إنها تساقطت تماماً، أو أن الجسور وردية اللون، إلا أننا اكتشفنا أننا مواطنون، تجمعنا هوية واحدة، وإن تعددت الثقافات والمذاهب والمناطق، وأن الأهم هو إدارة التنوع، وتحويله إلى مصدر قوة وبناء.

وللحديث بقية..