سلوكيات قيادة البلدين التركي والإيراني هي السبب في أن تكون إسرائيل هي الأقرب لدول الخليج العربي من أجل تحقيق التوازن الإستراتيجي.

خصصت إحدى القنوات التلفزيونية الدولية، هذا الأسبوع، برنامجها الحواري لمناقشة موضوع في غاية الأهمية وهو “مهددات الأمن القومي الخليجي”، وهي قضية من حيث التوقيت مهمة؛ نتيجة للتغيرات الإستراتيجية الكبرى التي حدثت على المنطقة وفي العالم وبالتالي يتطلب معه الأمر مراجعة مصادر تهديد استقرار أكثر منطقة حساسية في الإستراتيجية الدولية.

وبما أن الأمن الخليجي هو “همٌ” يخص أبناءه فقد استضاف البرنامج عددا منهم أو من يتحدث بوجهة النظر الخليجية، فالمقولة التقليدية التي تتردد دائما “أمن الخليج مسؤولية أبنائه”، وذلك عندما يأتي الحديث عن الأمن الخليجي حتى لو ارتبط استقرار دولهم بالأمن العالمي نتيجة لما تتمتع به منطقتهم من أهمية في إستراتيجية “أمن الطاقة”، وقد بينت وجهة النظر القطرية الحالة السياسية لنظام الحمدين بأنه دائما يحب أن: يغرد خارج السرب الخليجي.

فمن ضمن المحاور التي تم التطرق إليها في هذا البرنامج كان سؤال: أيهما أخطر في وقتنا الحاضر على الأمن القومي الخليجي إيران أم إسرائيل؟

ومع أن الجواب بسيط من واقع سلوك قادة النظام الإيراني والشواهد الميدانية؛ لكن أعتقد أن هدف المحاور كان محاولة كشف ما يعرف بـ”التقية السياسية”؛ التي يجيدها من يمثلون نظام الحمدين، وغرروا بها الكثير من الشعوب العربية، حتى لو تم كشف مؤامراتهم بالتسريبات التي تتحفنا بما يخططون في “الغرف المظلمة” مع كل من يستهدف استقرار المنطقة، التي هم جزء منها.

فكان الضيف القطري يتهرب من الإجابة الصريحة في أكثر من مرة؛ إلى أن “أوقع” نفسه دون قصد، أو دراية، عندما تأسف على من يرون من باقي الضيوف الخليجيين في ما يقوم به النظام الإيراني ونظام أردوغان، بأنهما مصدر تهديد للأمن القومي الخليجي، وكأنه يريد أن يقنعنا أنهما عامل استقرار، بل أبدى استغرابه أن تكون إسرائيل هي عامل توازن إستراتيجي لأطماع النظامين في المنطقة.

هذا الأمر لا يعني أن دولة إسرائيل حمامة سلام وليس لديها مشروع سياسي في المنطقة أو أن تواجدها ليست فيه مصالح لكن الفرق يكمن في أن إيران وتركيا تتمددان في المنطقة أيديولوجيا

منطقيا، لو استعرضنا ما يفعله الحرس الثوري الإيراني في المنطقة، أو ما يقوم به الرئيس التركي أردوغان من سلوكيات، بالإمكان التأكد إن كانا يهددان الاستقرار الخليجي أم لا، فالمسألة لا تحتاج “قراءة الكف أو الفنجان”، فهل يستطيع أن يوضح لنا إن كان البرنامج النووي الإيراني وتطوير صواريخ الكاتيوشا التي يرسلها الحوثيون إلى جنوب السعودية هي موجهة ضد الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية، وتسقط بالخطأ في الجوار الخليجي؟ وهل تهديدات حسن روحاني لدولة الإمارات وقادة الحرس الثوري لم تكن مقصودة؟ أو أن لغة الغطرسة التي يتعامل بها أردوغان مع السعودية ودولة الإمارات، ودعمه لتنظيم “الإخوان المسلمين” الإرهابي تخدم الاستقرار الخليجي أو حتى العربي؟ ليت متخذ القرار القطري يناقش هذه الأسئلة ليعرف إن كانت إيران وتركيا عامل استقرار في المنطقة.

وفي المقابل، هذا لا يعني أن دولة إسرائيل هي “حمامة سلام” وليس لديها مشروع سياسي في المنطقة أو أن تواجدها ليست فيه مصالح، لكن الفرق يكمن في أن إيران وتركيا تتمددان في المجتمعات الخليجية أيديولوجيا وليس من باب المصالح، وتعملان على تمزيق اللحمة الوطنية بين أبناء المنطقة وتجنيدهم فكريا في حين أن هذا لم يحدث من إسرائيل، أما من حيث لغة المصالح فهي معتمدة وأساسية في العلاقات الدولية، بل هذا ما تسعى إليه الدول الخليجية حتى مع كل من إيران وتركيا على مدى تاريخها ولكن أن المصلحة والكفاءة في التعامل ليست هدفهما.

لا بد من التوضيح أن سلوكيات قيادة البلدين التركي والإيراني هي السبب في أن تكون إسرائيل هي الأقرب لدول الخليج العربي من أجل تحقيق التوازن الإستراتيجي، فالمسألة خطر وجودي وبالتالي يكون من الجنون المجازفة فيه وقبول سلوكياتهم التدميرية بمساعدة نظام الحمدين.

في الحديث عن مسؤولية الأمن القومي الخليجي، يحتاج من يكابر على أن الحماية التركية يمكن أن تحقق له الاستقرار أن يدرك أن الخطر يتهدده هو داخليا قبل أن يهدد أشقاءه أو جواره، وأن الاعتقاد بأن الخلاف مع الإمارات والسعودية لا يعني أنه خلاف مع الآخرين، فهو أقرب لأن يكون “واهما”؛ لأن الدول الست جميعها في الميزان الإيراني والتركي واحد، ومسألة السكوت عن استهدافها في وقت معين لا يعني أنهم ليسوا ضمن الأجندة، بقدر ما هي تكتيك مرحلي لإحداث انقسامات بينهما.

لهذا فإن إستراتيجية مواجهة مهددات الأمن القومي الخليجي في المرحلة المقبلة ستتسم بالمصارحة ولن يسمح بما كان يحدث في السابق بالخصوصية لكل دولة في التعامل مع من يسعى لزعزعة استقراره.. فالخصوصية خليجية وليست انفرادية لكل دولة كما كان، ولن يشهد المستقبل لغة المجاملات الدبلوماسية خاصة بعدما كشفته تسريبات كل من خيمة القذافي و”مراسلات كلينتون” من دور قطري لا يمكن أن يتخيله العقل الخليجي.

بقي أن نقول: لا نعرف إن كان أحد في النظام القطري يصغي لأي نصيحة بشأن الدور التخريبي الذي تقوم به، ولا ندري إن كان أحد يدرك الخطأ الكبير في مسألة الرهان على القوى الإقليمية ذات المشروعات السياسية في المنطقة، لكن نقول إن من المهم إعادة الحسابات السياسية بشكل أكثر دقة.