في عام 2005 اختارت مجلة فوربس العالمية فائزة محمد الخرافي ضمن قائمة أكثر 100 امرأة نفوذا وتأثيرا في العالم، فما هي الأسباب التي دعت المجلة لهذا الاختيار؟ لاشك أن هناك أكثر من سبب؛ فهي ليست فقط أول امرأة تتولى منصب مدير جامعة في الخليج والوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط، وإنما هي أيضا أول سيدة خليجية تحصل على مرتبة وزير (وإن لم تحمل حقيبة وزارية)، وأول كويتية تنال درجة الدكتوراه في علم الكيمياء، وأول امرأة تتولى منصب نائب رئيس أكاديمية العالم للعلوم (منظمة غير حكومية تأسست عام 1983 لتشجيع العلم والعلماء في الدول النامية بدعم من منظمة اليونيسكو وعدد من دول العالم الأول والثالث)، وأول خليجية تتولى منصب عميدة كلية العلوم في بلدها، وأول كويتية تحصل على درجة الأستاذية (بروفيسور).
والحقيقة أن فائزة الخرافي هي إحدى أوائل النساء الخليجيات اللواتي تخصصن مبكرا في علم الكيمياء وواصلن دراستهن حتى شهادة الدكتوراه. هذا العلم الذي استأثر باهتمام النساء الغربيات طويلا فحصدن فيه أرفع الجوائز. ويكفي المرء أن يتمعن في قائمة أوائل الكيميائيات وقائمة الفائزات بجائزة نوبل (فرع الكيمياء) ويقرأ سيرهن الذاتية ليتأكد من ذلك. ففي القرن التاسع عشر الميلادي حصلت 13 امرأة غربية على درجة الدكتوراه في الكيمياء، كانت من بينهن الأمريكية فاني ريسان مولفورد هيتشكوك (توفيت 1936) التي تعتبر أول من حصلت على دكتوراه الفلسفة في الكيمياء (من جامعة بنسلفانيا)، عن أبحاثها في علم الحشرات وعلم أمراض النبات وعلم عظام الأسماك التي أجرتها في جامعات برلين وكولومبيا وبنسلفانيا. وتعتبر ماري سكودوفسكا كوري البولندية المولد الفرنسية الجنسية (توفيت 1934) أول لمرأة تحصل على جائزة نوبل في الكيمياء سنة 1911 نظير اكتشافها لعناصر الراديوم والبولونيوم من خلال عزل الراديوم ودراسة طبيعته ومكوناته، وكان ذلك بعد حصولها في عام 1903 على جائزة نوبل في الفيزياء مشاركة مع ببير كوري وهنري بيكريل. هذا علما بأن ابنتها إيرين جوليو كوري (توفيت 1956) كانت ثاني امرأة تحصل على جائزة نوبل في الكيمياء، حيث تقاسمت الجائزة في عام 1935 مع زوجها عن دورها في اكتشاف النشاط الإشعاعي المستحدث.
ولدت فائزة محمد الخرافي سنة 1946م بمدينة الكويت، وبها نشأت وترعرعت وأنهت دراستها الثانوية بمدرسة المرقاب، ثم غادرت بلدها إلى مصر للتحصيل الجامعي، فالتحقت بكلية العلوم في جامعة عين شمس التي منحتها في عام 1967م درجة البكالوريوس في الكيمياء. وحينما عادت إلى الكويت التحقت بجامعتها الوليدة آنذاك فنالت منها في العام 1972 درجة الماجستير، ثم درجة الدكتوراه في عام 1975.
بدأت فائزة رحلتها المهنية في عام 1975 حينما تم توظيفها كأستاذة للكيمياء بجامعة الكويت، وظلت تشغل هذه الوظيفة حتى عام 1981م وفي العام 1984 تم ترقيتها إلى منصب رئيسة قسم الكيمياء بالجامعة لتحصل بعد سنتين من ذلك على ترقية أخرى تمثلت في تعيينها عميدة لكلية العلوم فكانت أول امرأة في دول الخليج العربية تتولى هذا المنصب الأكاديمي الذي ظلت تشغله حتى عام 1989، علما بأنها حصلت على درجة الأستاذية عام 1988 فحققت هنا أيضا قصب السبق على المستوى الخليجي. وفي الفترة ما بين عامي 1993 و2002 شغلت منصب مديرة جامعة الكويت بدرجة وزيرة فدخلت تاريخ بلدها والخليج والوطن العربي كأول امرأة تدير جامعة، وكأول خليجية تحصل على درجة وزيرة. ومما قيل عنها أنها، خلال قيادتها لجامعة الكويت، لم تدخر وسعا لمؤازرة بنات جنسها من الكويتيات لجهة منحهن المناصب القيادية، ودليلنا أن وزيرة التربية والتعليم وزيرة التعليم العالي الكويتية السابقة الدكتورة موضي عبدالعزيز الحمود، التي شغلت منصب نائبة مديرة جامعة الكويت للتخطيط والتقييم بين عامي 1994 و2002 قالت عنها في تصريح لصحيفة القبس (20/11/2019): «كنا مجموعة نساء ضمن فريقها، وهي التي دعمتنا وساندتنا ورشحتنا للمناصب»، مضيفة أن ذلك يبطل نظرية عداوة المرأة للمرأة.
مناصبها المتنوعة هذه لم تشغلها عن الاهتمام بمجالها العلمي. فباعتبارها كيميائية متخصصة في مدى تأثير هندسة التآكل على أنظمة تبريد المحركات، والسلوك الكهروكيميائي للألمنيوم والنحاس والبلاتين والكوبالت والنيوبيوم، ساهمت في دراسة التفاعلات الأيزوميرية لتحويل المركبات الهيدروكربونية المشبعة الموجودة في النفط الخفيف إلى جزيئات أحادية وثنائية التفرع باستخدام المحفزات لزيادة عدد الأوكتان من أجل تحسين ظروف عمل محرك السيارات. وعلاوة على ذلك زودت المكتبة العربية بعدد من المؤلفات في مجال تخصصها منها: مشاركتها في ترجمة كتاب «السرطان والخلايا المتمردة» الصادر عن الجمعية الكيميائية الأمريكية عام 1986 بتمويل من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ومشاركتها في تأليف كتاب «الروابط الكيميائية والأشكال الجزيئية» عام 1989، وتأليفها كتابا بعنوان «حرب الكيمياء» عام 1986 بتمويل من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.
كما أن مسؤولياتها وانشغالاتها بالتحصيل العلمي والمهام الأكاديمية والإدارية لم تحل دون تكوينها لأسرة، فقد تزوجت من علي محمد ثنيان الغانم المولود بالكويت عام 1937 والذي درس بكلية فيكتوريا بالإسكندرية قبل أن يحصل على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من جامعة هانوفر الألمانية عام 1961 وقبل أن ينتخب عضوا في مجلس الأمة سنة 1971. ثمرة هذا الزواج كانت خمسة أبناء، أحدهم رئيس مجلس الأمة الكويتي الحالي مرزوق الغانم الذي أنجبته الدكتورة فائزة سنة 1968م.
والدها هو السياسي ورجل الأعمال والمحسن محمد عبدالمحسن الناصر الخرافي المولود عام 1919 والمتوفى في 1993، والذي أسس في عام 1956 الإمبراطورية المالية المعروفة التي قالت عنها صحيفة العرب اللندنية (16/2/2014): تكاد لا توجد قصة لمشروع ضخم في الكويت والخليج ومصر لا يذكر فيه اسم مجموعة الخرافي التي أسسها الراحل محمد عبدالمحسن الخرافي، وتولاها بعده ابنه رجل الأعمال ناصر الخرافي (توفي عن 67 عاما في مصر عام 2011 على إثر نوبة قلبية)، علما بأن دخول محمد عبدالمحسن الناصر الخرافي إلى عوالم المال والأعمال يعزى ابتداء إلى ما تعلمه على يد والده من مهارات تجارية، وما اكتسبه من رحلاته التجارية إلى عدن وكراتشي وبومباي والبصرة بدءا من مطلع ثلاثينات القرن العشرين. ففي هذه الموانئ الأسبق إلى المدنية والتطور، تفتح ذهنه وتشكل وعيه وتعرف على مظاهر الحياة العصرية وكون الصداقات مع رموز مجتمعات المال والأعمال.
طبقا لما ورد في كتاب «الوصول إلى الأصول» لمؤلفه عادل مساعد الخرافي الصادر عام 2008، وكتاب «مراسلات ووثائق عائلة الجارالله الخرافي في الكويت وأبناء عمومتهم في الزلفي» للدكتور عبدالمحسن عبدالله الجارالله الخرافي الصادر عام 2020، وموقع تاريخ الكويت الإلكتروني، فإن عائلة الخرافي، التي يعود نسبها إلى آل خرفان من آل محمد من الوهبة من بني تميم، قدمت إلى الكويت عام 1825 فسكنت بفريج الساير من منطقة الجبلة وسكن بعض أبنائها في فريج الصيهد، علما بأن نشأة هذه العائلة، التي تعتبر من الأسر الكويتية المتحضرة أي التي سكنت داخل نطاق سور الكويت قبل اختفائه مع التوسع العمراني والتخطيط الحديث للعاصمة، كانت في بلدة أشيقر التي كانت تسمى قديما عكل، لكنها فعلت ما كانت تفعله العائلات النجدية قديما لجهة الانتقال مكان إلى الآخر، هربا من الحروب والنزاعات أو بحثا عن المراعي أو طلبا للرزق، فانتقلت من أشيقر إلى بلدة حرمة، ومن الأخيرة إلى بلدة الزلفي، ومن الزلفي إلى الكويت.
وهناك مصادر أفادت أن الأسرة قدمت إلى الكويت أصلا بهدف أخذ الثأر من أحد أعدائها الذي لجأ إلى الكويت، حيث تتبعه حسين الأخ الأكبر لأبناء عبدالمحسن بن حسن الخرافي، فلما وصل حسين إلى الكويت وجدها مدينة مستقرة آمنة تموج بالحياة والتجارة والسفن والعمل البحري، ولا شأن لها بصراعات الثأر والدم، وهو ما أغراه بالبقاء، بل أرسل في طلب والدته وأشقائه فلاح وناصر وأحمد الذين التحقوا به بعد عامين، ليبدأ تاريخ استقرار آل الخرافي في الكويت وعملهم وكفاحهم. ثم التحق بحسين وأشقائه أخوهم غير الشقيق حمد بن عبدالمحسن بن حسن الخرافي، فيما فضل شقيق الأخير واسمه محمد البقاء في عنيزة. وعليه، فإن الخرافي في الكويت ينقسمون إلى: آل حسين الخرافي، آل فلاح الخرافي، آل ناصر الخرافي، وآل حمد الخرافي. وهناك آل جارالله الخرافي وهم مشاري وعبدالله أبناء جارالله بن حمود بن عبدالمحسن من آل علي من الأساعدة من طلحة من الروقة من قبيلة عتيبة ومساكنها القديمة في رهاط الواقعة شمال مكة، وقد انتسبوا إلى الخرافي بسبب المصاهرة ولأن خالهم عبدالمحسن ناصر الخرافي تولى تربيتهم ورعايتهم وإدارة شؤونهم، ثم عمد إلى تسجيلهم في الوثائق الرسمية تحت اسم مشاري حمود الخرافي وعبدالله حمود الخرافي.
أما عن أصل لقب الخرافي، فقد قيل أنه لقب التصق بجد العائلة وهو عبدالله بن محمد، وكان السبب هو جملة اعتاد الرجل على ترديدها بكثرة حينما تقدم به العمر، حيث كان يقول لجلسائه سامحوني على خرافي أي اعذروني على خلطي للأمور، وهو ما يعرف بالخرف.
وقدمت أسرة الخرافي، التي لها العديد من المصاهرات مع أبرز العائلات الكويتية وأشهرها (على سبيل المثال اللاحصري عائلات: العبد الجليل، الرفاعي، الجاسر، الغانم، البابطين، المرزوق، العجيل، الغنيم، الوقيان، الحمود، الراشد، الزايد، المجرن، المطيري، النقيب، النصف، الرومي، العيبان، البسام، وغيرها) شخصيات كثيرة برزت في مختلف مناحي الحياة، وتبوأت المناصب الرفيعة في القطاعين العام والخاص، وساهمت بعلمها أو مالها أو خبرتها في نهضة الكويت. من هؤلاء عدد من أشهر نواخذة الكويت الذين امتلكوا وقادوا السفن كـ(سفينة عواتشي، سفينة الحسيني، بوم تيسير، بغلة الناصري، بوم زياد، بوم المنصور) إلى أفريقيا وبلاد الهند والسند في حقبة ما قبل اكتشاف النفط حينما كان اقتصاد الكويت والخليج يقوم على صيد اللؤلؤ والاتجار به. من هؤلاء النواخذة: أحمد عبدالمحسن الخرافي، بدر أحمد الخرافي، يوسف ناصرالخرافي، خليفة عبدالمحسن الخرافي، ومنصور أحمد الخرافي. ومن التجار والمسؤولين: محمد عبدالمحسن الخرافي، ووالده عبدالمحسن ناصر الخرافي (أحد مؤسسي الخطوط الجوية الكويتية وعضو مجلس المعارف)، تاجر الذهب ناصر عبدالمحسن الخرافي، جاسم محمد الخرافي (عضو مجلس الأمة في مجالس 1975، 1981، 1985، 1996، ورئيس المجلس منذ عام 1999 حتى 2008، ووزير التجارة من عام 1985 ــ إلى 1990، خالد علي الخرافي (مدير بورصة الكويت من عام 1983 إلى 1087 ووكيل وزارة التجارة قبلها من عام 1963 إلى 1975، الفريق أول يوسف بدر الخرافي وكيل وزارة الداخلية سابقا، خليفة مساعد الخرافي عضو المجلس البلدي لدورات عديدة، حسين علي الخرافي عضو غرفة التجارة والصناعة، مرزوق ناصر الخرافي رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة أمريكانا، حسام فوزي الخرافي رئيس مجلس إدارة شركة نور للاستثمار المالي، لؤي جاسم الخرافي رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة المال للاستثمار، بدر ناصر الخرافي رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة الكابلات، وغيرهم.
وبالعودة إلى سيرة الدكتورة فائزة نجد أنها تلقت العديد من الجوائز والتكريمات خلال مسيرتها المهنية والقيادية منها على سبيل المثال: حصولها على جائزة الإنتاج العلمي في العلوم الطبيعية من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي عام 1992، اختيارها من قبل مجلة الديرة الكويتية كشخصية أكاديمية لعام 1993، اختيارها من قبل مجلة «المجلة» الصادرة من لندن كشخصية العام النسائية لسنة 1994/1995، حصولها في عام 1997 على جائزة أفضل عشر شخصيات عربية لجهودها المتميزة في مجال الأبحاث، اختيارها من قبل مجلة روز اليوسف المصرية عام 2000 كأبرز شخصيات العام النسائية في المجال الأكاديمي، حصولها على الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة سنة 2001 لمساهمتها في إعادة بناء وتطوير جامعة الكويت بعد الغزو العراقي، نيلها وسام الكويت من الدرجة الأولى عام 2002 من قبل الأمير الراحل جابر الأحمد الجابر الصباح تقديرا لخدماتها المميزة وإنجازاتها في مجال التعليم العالي، حصولها في عام 2008 على جائزة «الشخصية النسائية الخليجية» من قبل رابطة المرأة والأسرة الخليجية التابعة لمجلس العلاقات الخليجية الدولية، تلقيها عام 2011 جائزة لوريال ــ يونيسكو في مجال العلوم تقديرا لعملها في مجال هندسة التآكل، وحصولها في عام 2016 على جائزة المرأة القيادية في مؤتمر المرأة والقيادة العالمية.
إلى ذلك تمتعت بعضوية العديد من المؤسسات والاتحادات مثل: جمعية أعضاء هيئة التدريس الكويتية التي كانت من مؤسسيها، مجلس إدارة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، الاتحاد الدولي للجامعات، الاتحاد الدولي لرؤساء الجامعات. كما وأنها اختيرت عام 2017 لتكون الرئيسة العليا للجنة التنظيمية لمؤتمر القيادات النسائية في العلوم والهندسة والتكنولوجيا الذي انعقد في الكويت بمقر الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تحت شعار «تمكين المرأة بالعلوم».
ونختتم بما قالته عنها الدكتورة سلوى الشرقاوي الرئيسة التنفيذية لشركة Linkage Mena العالمية في منطقة الشرق وشمال أفريقيا في معرض تفسير قرار الشركة اختيارها لنيل جائزة المرأة القيادية في عام 2016، حيث ذكرت أن القرار استند إلى كون الدكتورة فائزة الخرافي مثالا يحتذى به للمرأة الكويتية والخليجية الناجحة التي استطاعت بعزيمتها تحقيق نجاحات مذهلة في القيادة والعمل التطوعي الإنساني، ناهيك عن مسيرتها الأكاديمية والبحثية المليئة بالعطاء والتميز والتي لم تقتصر على المستويين المحلي والإقليمي فحسب وإنما تجاوزتهما إلى المستوى العالمي، مضيفة: «إنها العالمة الجامعية، والمعلمة المثابرة، والإدارية الخبيرة لأعرق المؤسسات التعليمية، والرائدة في مجال العمل الخدمي والتطوعي، والزوجة المثالية، وصاحبة الرصيد المشرف من المؤلفات العلمية القيمة، إضافة إلى سطوع نجمها في مجال الحياة العامة، وتشعب أدوراها ونجاحها في حياتها الخاصة».
تنويه: في مقالنا المنشور بهذه الصحيفة يوم الأحد الموافق 14 فبراير 2021م بعنوان «منى أبو سمرة.. أول رئيسة تحرير إماراتية» ورد خطأ اسم المترجم لها، والصحيح هو «منى بوسمرة»، لذا وجب التنويه والاعتذار للزميلة العزيزة رئيسة تحرير صحيفة البيان على هذا الخطأ غير المتعمد.
التعليقات