كما كان ذلك متوقعاً ستكون ظاهرة الهجرة إحدى أبرز المواضيع التي ستلقي بظلالها على الحملة الانتخابية في فرنسا، فاليمين الفرنسي بشقَّيه التقليدي والمتطرف يضغط على الرئيس إيمانويل ماكرون إلى أبعد الحدود في هذا المجال.

لقد تمخّضت عن هذا الوضع ديناميكية أدخلت البلاد في مزايدة كبرى يجني ثمراتها من يقدم الحلول الأكثر راديكالية، والتي يعتقد أنها تتجاوب مع أجواء عامة تجعل من المهاجر على الخصوص، والأجنبي على العموم، الشماعة التي تعلق عليها أزمات المجتمع بكاملها.

هذا الوضع السياسي هو الذي دفع مؤخراً بالرئيس ماكرون إلى عقد اجتماع طارئ مع مختلف الوزارات المعنية بهذا الملف، وإعطائها تعليمات باتخاذ إجراءات حازمة بإبعاد المهاجرين غير النظاميين إلى بلادهم الأصليَّة، والتَّركيز الفرنسي يصبُّ حالياً على دول المغرب العربي، التي تطالبها فرنسا باسترجاع مواطنيها الموجودين على التراب الفرنسي بطريقة سرية.

وقد توقّعت السلطات الفرنسية أن يكون هناك تعاون ذكي وفعال مع المغرب وتونس، بينما تخشى أن يصل حوارها مع الجزائر إلى باب مسدود بسبب عدم تجاوبها الإيجابي مع هذه السياسة الفرنسية، لذلك أوصى ماكرون حكومته بإطلاق عمليات تفاوضية استباقية مع الجزائر لتفادي هذا الفشل.

اليمين الفرنسي يعيب على الرئيس ماكرون عدم قدرته على إدارة هذا الملف الحسَّاس، والدليل على ذلك برأيه استمرار تدفق المهاجرين السريين إلى فرنسا، بالرغم من كل الإجراءات المتخذة. وفي خضم الاقتراحات التي صدرت عن اليمين، والتي كان الهدف منها إحراج ماكرون، توصي بغلق أبواب فرنسا أمام المهاجرين لمدّة سنة، عبر الامتناع من منح أوراق إقامة أو تسوية وضعية المهاجرين السريين، وتجميد كل سياسات الهجرة بما في ذلك التجمع العائلي واللجوء.

هجوم اليمين الفرنسي ينطلق من إحصاءات رسمية تقول: إن (120 ألفاً) من الأشخاص يتقدمون بطلب اللجوء سنويّاً إلى السلطات الفرنسية، حيث يتم قبول 20 ألفاً منهم، وإبعاد 20 ألفاً آخرين، لكن 80 ألفاً الباقية تتبخر في الطبيعة، وتُقوِّي جيوش المهاجرين السريين. إيمانويل ماكرون يعي جيِّداً أن الخطاب المعادي للهجرة في فرنسا يلقى صدى لدى شرائح واسعة من الفرنسين، لذلك لا يريد أن يعطي الانطباع بأن تساهله مع هذه الظاهرة يسهم في تزايد عدد المهاجرين السريين، الذين أصبح تواجدهم ــ من وجهة نظر بعض الفرنسين ــ يشكل خطراً على أمنهم الاقتصادي والاجتماعي.