* لو أن ما يعتور إيران الخمينية مشكل واحد لهان أمره، ولكن حالها كما قال شاعرنا العربي:

ولو كان سهمًا واحدًا لاتقيته

ولكنه سهم وثانٍ وثالث

* على أن المشكل الخطير الذي يعنينا ويعنِّينا نحن دول الجوار الإيراني؛ ونحن العرب على وجه خاص؛ هو تغوُّل هذه الدولة الجارة، ومن ثم؛ توغُّلها في جسمنا العربي مذهبيًا واجتماعيًّا وسياسيًّا، وحتى جغرافيًّا. لم يتوقف خطر التغول الإيراني العسكري والمذهبي عند حد الخطاب الخميني المحرض على الفتنة واستعداء الحكومات العربية وشعوبها، بل أخذ خطًّا عمليًّا زاحفًا نحو الغرب، حيث العراق، ومن بعده سورية ولبنان، ثم غزة الفلسطينية، وجنوبًا نحو البحرين التي هددها مرات ومرات؛ لولا صمود البحرينيين الشرفاء، وموقف المملكة العربية السعودية الصلب من المحاولات الإيرانية المتكررة لابتلاع هذه الجزيرة، ولكنه وجد في أقصى الجنوب في اليمن غير السعيد، من يحنون له رقابهم، ويمكنونه من ركوب ظهورهم، ليعبث بأمن اليمن وحياتها الدينية والاجتماعية والسياسية.

* هذا مشكل واحد من عدد من المشاكل العصيبة التي خلقتها التركيبة الخمينية الحاكمة في طهران للشعوب الإيرانية، التي هي خليط من قوميات واثنيات كثيرة، فحتى لو شكّلت القومية الفارسية نصف عدد سكان إيران؛ إلا أنه لا يُستهان بالنصف الآخر الذي يمثل: العرب، والكرد، والأذربيجان، والبلوش، والتركمان، وغيرهم كثير؛ مما يثقل كاهل السياسة الداخلية لعدد من الشعوب في دولة تعاني عزلة دولية وانهيار اقتصادي كبير.

* أبرزت الانتخابات الصورية الأخيرة التي أتت بالرئيس القادم إبراهيم رئيسي؛ الكثير من صور التدليس والخداع المعروفة، التي تمارس من قبل رأس النظام الحاكم بأمره المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي ينفذ وصاية سلفه خميني لتصدير الثورة، وإشعال الفتن، وتخريب الداخل والخارج، حتى أصبحت إيران في مواجهة دول العالم كافة. دولة منبوذة إلا من الأقزام الذين يتعاطفون معها ويمالقونها لأهداف غير نظيفة في المنطقة العربية خاصة.

* إن سياسة العداء والإيذاء التي أرساها الخميني قبل أربعين من السنين؛ والموجهة تحديدًا ضد الجوار العربي؛ والتي أخلص لها من جاء من بعده وما زال حتى اليوم؛ ما هي إلا تنفيس وتفريغ لأحقاد موغلة في القدم، يحملها المكون الفارسي المسيطر على الإدارة والحكم في إيران دون بقية المكونات القومية الأخرى. بل هو مارس العنف والإقصاء داخل إيران؛ ضد العرب والكرد والبلوش وغيرهم، دون اعتبار للديمقراطية التي يدعيها حكام طهران طيلة أربعين سنة. هذه الأحقاد والإحن الفارسية ضد العنصر العربي بشكل خاص، وجدت لها -مع الأسف- مناخات في بعض المجتمعات العربية المبتلاة بالتبعيين وبائعي الأوطان، حتى لو تظاهروا بمناصرتهم للمذهب الاثنا عشري، إلا أنهم يعرفون أنهم يخونون أماناتهم، ويبيعون أوطانهم، ويقتلون أبناءهم وأهليهم، ويخربون ديارهم نيابة عن الحرس الثوري وجيوش الفرس، التي تحركهم على خارطة بلدانهم كما تحرك الدمى على رقعة الشطرنج. الأمثلة لا تعد ولا تحصى: انظروا إلى أشباه العرب من الحوثيين في اليمن غير السعيد، وإلى الحشود الشعبية وقطيع حزب اللات في أرض العراق وفي سورية ولبنان، وآخر المأجورين والدمى الفارسية؛ هم أعضاء الجهاد وحماس ومن تحامس معهم في غزة وأرض فلسطين..!

* من المؤكد أن تغوُّل إيران الخمينية؛ ومن ثم توغُّلها في جوراها العربي؛ ناتج عن أحقاد فارسية قديمة ضد العنصر العربي. فهم لم ولن ينسوا الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، الذي أطفأ نار المجوسية في معركة القادسية، ويكرهون أبو جعفر المنصور؛ لأنه قتل أبو مسلم الخراساني، وأنهى نفوذ الفرس في الدولة العباسية. ويكرهون خالد بن الوليد؛ لأنه قتل هرمز. ويكرهون المثنى بن حارثة الشيباني؛ لأنه قتل بهمن. ويكرهون هشام بن عتبة؛ لأنه قتل الهرمزان. ويكرهون هلال بن علقمة التميمي؛ لأنه قتل رستم، وهو الذي صاح صيحته المشهورة: قتلت رستم ورب الكعبة..! ويكرهون القعقاع بن عمرو؛ لأنه قتل الفيرزان على مشارف همدان في معركة نهاوند. ويكرهون النعمان بن مقرن؛ لأنه قائد جيش المسلمين في معركة نهاوند التي تعتبر من المعارك الفاصلة في تاريخ الفتوحات الإسلامية في بلاد فارس. ويكرهون سعد بن أبي وقاص؛ لأنه قائد جيش القادسية الذي تباهى به الرسول -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: هذا خالي.. فليرني كل امرئ خاله. ويكرهون هارون الرشيد؛ لأنه قضى على البرامكة الفرس. ويكرهون قبله دولة بني أمية؛ لأنها تمثل العنصر العربي الخالص، كما يكرهون معها الثقفيين بعامة؛ لأنهم ناصروا بني أمية، ويكرهون تبعًا لذلك؛ الحجاج بن يوسف الثقفي؛ لأنه حارب الخوارج على أرضهم عشرين سنة وانتصر عليهم. ويكرهون كذلك؛ صلاح الدين الأيوبي؛ لأنه أنهى حكم الدولة الفاطمية في مصر.

* ومنذ سني انتصار العرب على الفرس تحت رايات فتح إسلامية -وهم الذين كانوا قبلها يغزون العرب ويستعبدونهم في اليمن وفي العراق وغيرها- منذ أربعة عشر قرنًا ونيف؛ وهم يحملون كراهة للعرب لا حدود لها، ويحقدون ويبغضون، ويسعون للنيل من العرب بشتى الطرق. فلم يوفروا على مرّ التاريخ خليفة ولا قائدًا أو أميرًا عربيًا؛ ولا حتى صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ من الكذب والتزوير والتدليس، بهدف تشويه كل مَن وما هو عربي. واستخدموا لذلك المذهب الشيعي لتقديس أسماء يريدونها تقية، والحط من أخرى للنيل من العرب وإذلالهم.

* إن هذه الأحقاد والإحن الفارسية ضد العرب، لم تضف لتاريخ الإسلام إلا ما نراه ونشهده؛ من سب ولعن وطعن في خلفاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته -رضوان الله عليهم-، وأمهات المؤمنين الطاهرات. ثم ما هو ظاهر شاهر؛ من احتلال وقتل وتدمير وتخريب لبلدان عربية بأيدي أبنائها لا بأيدي الفرس..! ثم يتحدثون في طهران؛ عن انتخابات رئاسية، وديمقراطية، وهم يتغولون أكثر؛ فيذلون ويقتلون العرب والكرد والأذربيجان والبلوش والتركمان وغيرهم داخل إيران، ثم يزيدون؛ فيتوغلون بهذه البشاعة إلى البلدان العربية المجاورة.