جميع الاوصاف التي اختارها الرئيس ومعاونوه للعهد تساقطت الواحدة تلو الاخرى. فالرئيس لم يكن أباً للكل، وها نحن نسمعه يصف منتقديه بأبشع الاوصاف، والعهد لم يكن قويًا سوى في انتظام الجيش واقحامه في مهمات ليست له اصلاً، والفعل كان ولا يزال لقائد الجيش المتمتع بشخصية مقنعة ومستوى علمي جيد، و”التيار الوطني الحر” كان المسؤول خلال 10 سنين عن تبخّر 40 مليار دولار من الاحتياط لتغطية حاجاته الطارئة، ولم يتمكن وزراؤه من تحسين توافر الكهرباء، وتجديد شبكات التوزيع، وتعميم الساعات الالكترونية لتوفير مقياس حقيقي للاستهلاك. وبعد السؤال هو على العهد قائم، وإنْ كان ذلك في الواقع حقيقة فلماذا لا يفرج زعماء العهد عن انجازاتهم؟

بعد بضعة ايام، في 4 آب، ستظهر نيات المجتمع الدولي تجاه لبنان، وما هي المبالغ التي ستتوافر لدعم النشاطات الآتية: التعليم، الصحة، النقل، توافر المياه، ضبط انتشار الوباء، تأمين قدرات الجيش تجهيزيًا وعلى مستوى تعويضات الافراد والضباط. ولا شك في ان مساعدات كهذه تساهم في تحريك الاستهلاك، خصوصا ان الاستهلاك مرشح للانخفاض بسبب ارتفاع الاسعار من جهة وتراجع استعمال السيارات للتسوق.

السبب الرئيسي لانكفاء العهد عن تعداد الانجازات معرفته بان المساعدات لن تؤمَّن للدولة بل للمؤسسات الاجتماعية وهيئات مستقلة عن الدولة وتشعباتها، والمستشفيات التي تستمر في اعمالها مع تجهيزها لمواجهة الطوارئ ونتائج انتشار الوباء، والمدارس والجامعات قد تكون المستفيد الاكبر لان التعامل مع هذه المؤسسات ينطلق من التفاعل مع المتعلمين واصحاب الالتزام بمصير البلد الذي اصبح معرّضًا للتشكيك والجيش يبدو وكأنه الضمانة للاستمرار.

بتاريخ انعقاد مؤتمر مساعدة لبنان، لا الحكم اللبناني، وتأمين المساعدات عبر شبكة من التعاون بين كبار المساهمين كالولايات المتحدة، وفرنسا، والمانيا والصين وبريطانيا، سيعلن المؤتمرعن لائحة القياديين اللبنانيين الغائصين بتحقيق الارباح على حساب المجتمع، والتسبب بالازمات، وعدم تقديم اي مساعدات ملحوظة للمصابين باضرار انفجار المرفأ سواء على الصعيد البشري او المادي او الاثنين معًا.

لائحة المؤتمرين ستبين ان المسؤولين في السنوات المنقضية، خصوصا منذ عام 2010، تشمل فريقاً ملحوظاً من قادة “التيار الوطني الحر”، والاتهام سيكون صريحًا الى حد يمنع ترشح هؤلاء والآخرين المنتسبين الى احزاب وتحزبات، ومجالات اصطياد المنافع تركزت على وزارة الطاقة، ليس فقط لإمدادات الكهرباء بل ايضًا لمشاريع تأمين المياه وبناء السدود التي افتقرت الى الشروط الهندسية لانجازها ودفعت البنك الدولي الى الانسحاب من عملية تمويل على مستوى 300 مليون دولار.

وزارة الاتصالات هي ايضًا خاضعة للتقويم والبحث عن اسباب التعاقد في عهد الوزير نقولا الصحناوي خلال سنتين على توظيف 700 من المقربين، واستئجار مبنى لاستعمال الوزارة مقابل 12 مليون دولار على سنتين لم يدخل اليه موظف واحد، وحيث ان جيش الموظفين الجدد غير مؤهل تدريبيًا ودراسيًا لتقديم الخدمات المطلوبة، اصبحت دقيقة التخابر بالخليوي تكلف 21 سنتًا مقابل 6 سنتات في الاردن، وقريباً من هذا الرقم في دبي. وهذه الكلفة اضافة الى فترات انقطاع الاتصالات لا تشجع على العمل انطلاقًا من لبنان، والدخل انخفض نحو 280 مليون دولار.

يلاحظ ايضًا العجز عن معالجة مشكلات البيئة والنفايات، وكانت الحكومة قد تبلغت من دولة الكويت استعدادها لتمويل انشاء معامل لانتاج الكهرباء بطاقة 3000 ميغاواط ومعالجة النفايات على نحو يساهم في انتاج الكهرباء، ولا شك في ان معمل المعالجة في صيدا يوفر مثالاً جيدًا عن الممكن. فالمعمل يؤمّن الكهرباء في الطرقات والساحات العامة، وينتج بعض انواع المواد المصنعة الصالحة لرص الارصفة، وهذا المنتج يصدَّر الى افريقيا، اضافة الى اسمدة منتجة في المصنع.

ونأتي الى قضايا البيئة التي بلغ اهمالها، في الوقت الذي تشكو من اهمال ضرورات المحافظة على الطقس والبيئة بلدانٌ متقدمة كألمانيا والصين، مستوى من النسيان دفع الوزير المختص في لبنان الى الاعتكاف عن حضور جلسات مجلس الوزراء، ولم يطرح اي مشروع لمعالجة البيئة حتى تاريخه، وربما سبب اهمال قضايا البيئة كليًا ومعالجة النفايات وموضوع تلويث السيارات ووسائل النقل العام، والسيارات تؤثر بنسبة 70% على تردي الشؤون البيئية.

بكلام آخر العهد الميمون ولو التفت الى ابسط التحديات فليس لديه الوقت لتنفيذ مشروع نافع كما الوقت لتصور اي مشروع.
يبقى السؤال الكبير: هل يستطيع لبنان النهوض من كبوته؟ الجواب ان امكان تجاوز المحنة متوافر اذا تعاون المخلصون في لبنان مع فريق الاعانة على برنامج لاسترداد 40 مليار دولار على الاقل من الاموال التي استلبها كبار المسؤولين واصبحت على مستوى 186 مليار دولار في خمس دول، ولا شك في ان بعض كبار المنتفعين سيبادرون الى تفادي “الجرصة” واعادة اموال كبيرة الى الوزارات المعنية شرط ان يكون الحكم قد اكتسب مناعة الاخلاق الحميدة، وهذا ما لم نشهده مدى سنوات وسنوات.

بالتأكيد يمكن الاعتماد ايضًا على استثمارات تؤمّن توافر عملات صعبة ووظائف جيدة في تطوير مصفاتي الزهراني وطرابلس، وبالامكان مع تحسين شبكة الاتصالات تأمين مستثمرين على مستوى 6 مليارات دولار، شرط ان تستطيع الشركات المعنية القيام بعملها دونما تدخل من السلطات العامة، وان يعتمد على المنافسة بين اكثر من شركتين في هذا المجال.

يضاف الى ذلك تلزيم اشغال مرفأ طرابلس، الذي يشغل من قِبل فريق خاص ناجح، وتشغيل مطار الرئيس رينه معوض، واعادة اعمار وتشغيل مرفأ بيروت خلال عامين، كذلك المشاركة في شركة الريجي التي يمكن ان توفر للدولة ملياري دولار. واذا لم نتمكن من التحرك على هذا المسار يكون العهد قد اثقل علينا ست سنوات من اللاانتاج والتصاريح الفارغة واستلاب الاموال. كي تبدأ مسيرة الاعمال يجب سجن عدد من كبار المستفيدين، ومعلوم ان الحسابات البالغة 180 مليار دولار مسجلة بالاسم وموقع الايداع ولن يكون سهلاً التصرف بها بعد الاعلان عنها من قِبل فريق اعانة لبنان.

اذا لم ننتصر سيتلاشى البلد بين ايدي الطغمة الحاكمة، فعسى ان يكون الانقاذ ممكنًا.