دائماً شعار البيئة الذي ترفعه أمريكا والغرب يثير تساؤلات كثيرة في نفسي. فقد كنت أتساءل ما هي الدوافع الحقيقية التي تكمن خلف هذا الشعار. هذه التساؤلات لا علاقة لها بأهمية البيئة لأن البيئة حياتنا التي نعيش فيها، وهي العامل الوحيد لوجود الحياة على الأرض، وبدونها لا يمكن أن تكون هناك حياة على الأرض. فالبيئة كل الأشياء التي تحيط بنا وتؤثر على وجود الكائنات الحية على سطح الأرض من ماء وهواء وتربة ومعادن ومناخ وكائنات، وبالمجمل هي مجموعة من الأنظمة المتشابكة مع بعضها البعض، والتي تؤثر وتحدد البقاء في هذا العالم.

هذه التساؤلات هدفها معرفة الأسباب الحقيقية خلف هذا الشعار. وما هي المصالح المتحققة من وراء هذا الشعار؟ فالغرب لا يرفع شعاراً بدون أن تكون له مصلحة ومنفعة من ورائها. فالفكر الرأسمالي تحركه المكاسب والمصالح التي تسعى دائماً إلى السيطرة والهيمنة والنفوذ.

إذا دققنا النظر نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب يحققون من خلال رفع شعار البيئة وادعاء المحافظة عليها العديد من الفوائد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والسلطوية. وهذا الأسلوب نراه دائماً في كافة شعارات الغرب التي يصدق فيها القول «كلمة حق يراد بها باطل».. تتعدد الفوائد والمصالح التي يحققها الغرب:

١- على صعيد السياسة الداخلية.

يستخدم كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي هذا الشعار لكسب الناخبين. فقد وظفت الشركات العملاقة والحكومات المتعاقبة الكثير من الأموال لإقناع الجمهور بأهمية البيئة وخطورة التغير المناخي. «في تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، قيل إن عالمنا أمامه حتى عام 2030 فقط لوقف الآثار الكارثية لتغير المناخ. إذا أعيد انتخاب ترمب للسنوات الأربع المقبلة، فلن يخسر العالم أربع سنوات حاسمة فقط للتحقق من تغير المناخ. وقد حرص باراك أوباما على دعوة العالم للانضمام إلى اتفاق باريس في عام 2015 بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. ومن هنا يظهر كيف أن الحزب الديمقراطي الأمريكي يوظف سلاح البيئة دَاخِلِيًّا وَخَارِجِيًّا لضرب خصومه.

٢- السيطرة على موارد الطاقة.

الولايات المتحدة الأمريكية تخاف من سيطرة روسيا على إمدادات وموارد الطاقة. لهذا سعت إلى شيطنة روسيا ومحاربتها اقتصاديا ووضع العراقيل والعقبات في طريق خط نورد ستريم. وحرب العراق وإزاحة القذافي من سدة الحكم وحصار فينزويلا كل ذلك وغيره في سبيل السيطرة على موارد الطاقة بشكل خاص والموارد الطبيعية بشكل عام. ورفع شعار البيئية هو إحدى أهم الأدوات التي يستخدمها الغرب بهدف إضعاف الدول وإخضاعها لسيطرته.

٣- فرض الضرائب على الطاقة الأحفورية.

تفرض الضرائب على الطاقة الأحفورية تحت شعار المحافظة على البيئية وتلزم جميع الدول بدفع وتحمل فاتورة الطاقة النظيفة، لتحفيز الاقتصاديات الغربية المتطورة، التي تستطيع إيجاد بدائل على المدى الطويل للطاقة الأحفورية.

٤- التحرر من التبعية الاقتصادية لروسيا.

الولايات المتحدة الأمريكية تريد القضاء على وقوع الاقتصاد الأوروبي تحت سيطرة الطاقة الرخيصة التي توفرها روسيا وتقول مجلة نيويورك تايمز «في أوروبا، تظاهروا بأنهم يستطيعون التخلص من الانبعاثات الحرارية الكبيرة والقفز مباشرة إلى الطاقة المتجددة، وكل شيء سيكون على ما يرام. يا إلهي لقد تفاخر الألمان واعتزوا بأنفسهم لدرجة أنهم لم يدركوا أن السبب الوحيد الذي يجعل هذا الحلم الأزرق يبدو ممكناً هو أن بوتين كان يبيعهم الغاز الرخيص الأمر الذي سمح لهم بالاستفادة من الفارق».

٥- ربط أوروبا بأمريكا.

لقد أظهرت حرب أوكرانيا مدى رغبة أمريكا في ربط أوروبا بها وإبقائها في تبعيتها، وجعلها سوقاً مفتوحة ومتعطشة للطاقة الأمريكية. وقد نجحت أمريكا بامتياز في توظيف هذه الحرب لفصل أوروبا عن محيطها الطبيعي وخلق الكراهية والعداء لروسيا وقطع إمدادات الغاز الروسي والاستعاضة عنه بالغاز الأمريكي المكلف. وتستخدم أمريكا شعار المحافظة على البيئة لكي تعوض أوروبا عن طريق التقنية الحديثة وتحميل تكلفتها على الدول الفقيرة، وربط أوروبا بأمريكا من خلال العمل المشترك لتطوير الطاقة النظيفة.

شعار البيئة شعار يوظف لصالح أجندات سياسية واقتصادية واجتماعية وللسيطرة والهيمنة الغربية. حتى أن مراكز البحوث الممولة من قبل الماكينة الاقتصادية الغربية تعي أهمية هذا الشعار وضرورة الحرص على تضخيم وتهويل الأخطار والتغير المناخي.