أصبح أمن الطاقة الشغل الشاغل للحكومات في الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية والصين والهند واليابان، كما أصبح يوجه السياسة والاقتصاد أيضاً، الاجتياح الروسي لأوكرانيا لم يكن السبب الرئيس في هذا التوجه، لكن عززه بقوة، فقد بدأت أزمة الطاقة في أوروبا والهند والصين قبل الاجتياح الروسي لأوكرانيا بأشهر عدة، ورفعت أسعار مصادر الطاقة إلى مستويات تاريخية وقتها، كما أن الجفاف من جهة وعمليات إحلال مصادر طاقة محل أخرى، زاد الطين بلة.
الأدلة على أن أمن الطاقة أصبح يتحكم بالسياسة كثيرة، أهمها زيارة زعماء الولايات المتحدة والدول الأوروبية للدول النفطية والغازية في محاولة لكسب ودها، وتوقيع عقود إمدادات فورية أو مستقبلية، وهذا يشمل الزيارة المتوقعة للرئيس الصيني إلى السعودية، ومنها أيضاً اهتمام حكومة بايدن الكبير بتأمين مصادر الطاقة لأوروبا سواء نفطاً أو غازاً، لدرجة أن إدارة بايدن سمحت لفنزويلا وإيران بتصدير النفط إلى أوروبا رغم العقوبات المفروضة عليهما، ثم قيام إدارة بايدن بإعطاء شركة "شيفرون" الأميركية استثناءً لمدة ستة أشهر لتطوير مشاريعها المشتركة مع شركة النفط الفنزويلية بهدف زيادة الإنتاج، واشترطت أن يصدر النفط من هذه المشاريع إلى الولايات المتحدة فقط، وقبل ذلك قامت إدارة بايدن بسحب 180 مليون برميل من المخزون الاستراتيجي في محاولة لتوفير الإمدادات للمصافي من جهة وتخفيض أسعار النفط من جهة أخرى، ونجحت في ذلك.
كما قامت دول كبيرة مثل الصين وألمانيا، بتوقيع عقود ضخمة مع قطر لتأمين شحنات الغاز المسال مستقبلاً، بينما تقوم الشركات الأميركية بالتوسع في محطات الغاز المسال لزيادة الصادرات إلى أوروبا بسبب الطلب المتزايد هناك.
وقامت بعض الدول بتقديم إعانات مالية مباشرة لشعوبها للتعويض عن ارتفاع أسعار الطاقة فيها، بينما حاولت دول أخرى تطبيق سقف سعري لمنع أسعار الطاقة من الارتفاع.
وحصلت اليابان على استثناء من مجموعة السبع من اتفاقية السقف السعري على صادرات النفط الروسي بسبب استثماراتها في حقل سخالين في روسيا. كما جرى استثناء المجر من الحظر الأوروبي على النفط الروسي والسقف السعري، كل هذا لتعزيز أمن الطاقة في هذين البلدين، ووقعت الصين على عقود ضخمة مع روسيا لبناء مزيد من أنابيب الغاز لنقل الغاز الروسي إلى الأسواق الصينية.
ولا أدل على الاهتمام بموضوع أمن الطاقة أكثر من التضحية بكل سياسات التغير المناخي وتجاهل البيئة مع عودة دول أوروبية عدة للفحم والنفط والحطب، كل هذا حتى لا تنطفئ الأنوار أو يموتوا من البرد، وأيضاً تجاهل الهند والصين للسقف السعري الذي فرضته دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي.
ويتفق الخبراء على أن السياسات الحكومية والاجتياح الروسي لأوكرانيا هما السببان الرئيسان في رفع أسعار الطاقة بمصادرها المختلفة، إلا أن النقمة الشعبية والتظاهرات في بعض الدول جعلت الحكومات تبحث عن كبش فداء، فأوقعوا باللوم على شركات الطاقة بخاصة شركات النفط، فقررت بعض الدول وعلى رأسها بريطانيا، فرض ضرائب استثنائية على أرباح هذه الشركات.
هذا التصرف السياسي قد ينفع في الانتخابات، إلا أنه يضر بأمن الطاقة في هذه البلاد في المديين المتوسط والطويل لأنه يخفض الاستثمار، ويجعل الشركات تتجه إلى الاستثمار في أماكن أخرى، وكما ذكر في مقال سابق، فإن المثير في الأمر أن جزءاً من أرباح شركات النفط يذهب للاستثمار في الطاقة المتجددة بخاصة الرياح، وخسارة هذه الأمور للحكومة يعني عدم القيام بهذه المشاريع، المشكلة أن الأموال تتحول من مشاريع الطاقة المتجددة إلى دعم مالي لشراء مزيد من البنزين والديزل!
أمن الطاقة والسيارات الكهربائية
تم تبني السيارات الكهربائية للتخلص من غاز ثاني الكربون، الذي ينتج من حرق البنزين والديزل في محركات السيارات، لأنهم يرون أن غاز ثاني أكسيد الكربون أحد مسببات التغير المناخي، واعتبر البعض أن تبني السيارات الكهربائية يعزز من أمن الطاقة بسبب استخدام مصادر طاقة محلية مثل الطاقة الشمسية والرياح لتوليد الكهرباء محل البنزين والديزل اللذين يتم استيرادهما إما على شكل نفط خام أو موارد منتجات نفطية.
في بعض البلاد تستخدم الطاقة النووية، وهي مصدر محلي أيضاً، وفي بلاد أخرى يستخدم الفحم لتوليد الكهرباء وبعضه قد يكون مستورداً، وفي هذه الحالة تنخفض الانبعاثات في أماكن استخدام السيارات الكهربائية، لكنها تزيد في مناطق محطات الكهرباء.
المشكلة أن السيارات الكهربائية بدأت تهدد أمن الطاقة في عديد من الأماكن حول العالم، وبدأت بعض الحكومات تطالب ملاك السيارات الكهربائية بعد شحنها في أوقات معينة، وتكرر هذا الأمر في ولاية كاليفورنيا الأميركية تحديداً، ومع التوسع في شراء السيارات الكهربائية، يتوقع أن يحدث هذا الأمر في بلاد أكثر، ومرات أكثر.
وكانت منصة الطاقة المتخصصة قد نشرت خبراً منذ يومين عن استعداد المجلس الفيدرالي السويسري لإصدار تشريع "قانون قيود وحظر استهلاك الطاقة الكهربائية" لمواجهة شح الكهرباء المتوقع، الذي قد يؤدي إلى حظر جزئي لاستخدام السيارات الكهربائية، ومن المتوقع أن يشمل التشريع أربع مراحل من التصعيد في القيود المفروضة على استهلاك الكهرباء، وفق ظروف الإمدادات.
وجاء ذكر السيارات الكهربائية في المرحلة الثالثة من التصعيد، إذ تنص المادة على حالات عدة فقط، يسمح فيها بقيادتها، وتنص المادة على أنه "يسمح باستخدام السيارة الكهربائية في الرحلات الضرورية والذهاب إلى العمل، أو لزيارة الطبيب وحضور المناسبات الدينية، إضافة إلى الوصول إلى المحكمة في حالة الحاجة لذلك".
من ناحية أخرى، أدت المبالغة في آثار السيارات الكهربائية في الطلب على النفط إلى انخفاض الاستثمار فيه، وهذا يعني انخفاض الإنتاج وارتفاع أسعاره وهذا يهدد أمن الطاقة في كل دول العالم.
باختصار، أصبحت السيارات الكهربائية تهدد أمن الطاقة في دول عدة، والحل يكمن في تحقيق التوازن بين الأمن الطاقي والأمن البيئي.
التعليقات