الخوف طبيعة بشرية ملازمة للإنسان مثل الحب والسعادة والحزن وهي بذور صغيرة تنمو وتتشكل وتكبر أو تصغر عبر المواقف والتجارب، وتسهم في تكوين أحكام مسبقة لأي مواقف مشابهة لذا فإن المخاوف عادة تنشأ من توقعات مستقبلية.

تنمو بذور المشاعر منذ اليوم الأول للإنسان وفيها تكتسب صفة الإفراط أو التفريط أو الاعتدال، فالطفل ولد لا يفرق بين رأس الثعبان وأصبع والدته وفي المقابل قد يحبس الخوف صاحبه من مغادرة غرفته، لكن الخوف من المستقبل أو من الغيبيات أو من المجهول يعد أمرا عاديا حينما لا يمنع المرء من الحياة والمنافسة للعمل والنجاح وممارسة الشغف وقبول التحدي، لأن الخوف إن تمكن من صاحبه وقتئذ سيمنعه من الوقاية والاستعداد للأخطار والعقبات ونبذ أي محاولة للعودة والاستسلام للهزيمة ثم الاكتئاب.

إن المخاوف ملازمة للبشر منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، فالإنسان كان وما زال يخاف طبيعيا من الموت والمرض وفوبيا الظلام والغرباء والمرتفعات والقوارض إلى ما لا نهاية من أنواع الفوبيا، وبالرغم من كثرتها إلا أنها لم تمنع قط الإنسان من مزاولة حياته والمساهمة في البناء وتطوير الحياة وتحسينها وتجويدها باختراعات ونقلات إنسانية، فالإنسان ما زال يعمل بالرغم من وجود المخاوف، اذن أين المشكلة؟

تكمن المشكلة في زيادة مصادر الخوف وطريقة إبرازه وأسلوب إظهاره وإبداع إخراجه بألف طريقة مقنعة ومبهرة بفضل وسائل التواصل المتجددة، إن مخاوف قرننا هذا هي ذاتها التي قبل عشرة قرون، فالبركان يثور منذ مئات الأعوام، لكن لا يخافه إلا المحيطون به المطالعون لحممه المتناثرة في السماء وأنهر المصهورات المنحدرة، لكنه اليوم يثير الرعب في كل أنحاء العالم، وفي ظل هذه الحالة المتراكمة من الأخبار والمعلومات وسيل مقاطع اليوتيوب ومباشرات تيك توك وإنستجرام فإن قلوب البشر لم تعد قادرة على تلقي هذا الكم الكبير من المنبهات الذهنية خصوصا لدى كبار السن والأطفال.

إن مناط الأمر يكمن في أهمية الوعي بخطورة تدفق المعلومات من حولنا دون أن نشعر، والمسؤولية تزداد على أولياء الأمور والحل يجب أن يكون في ضبط المشاهدات وتشديد الرقابة على المحتوى المشاهد، وهذا يدعو أيضا إلى إعادة التفكير في اعتبار الهاتف الذكي هدية لنجاح الطفل.