لا شك أن العام الحالي ستكون الاستدانة فيه عالية المخاطر في ظل الارتفاع الكبير للفائدة التي تجاوزت لدى بعض البنوك المركزية 5 في المائة تقريبا، أما تكلفة الاستدانة بين البنوك أصبحت تصل إلى أكثر من 6 في المائة، ويتوقع استمرار هذه الزيادة قليلا في ظل الإجراءات التي يتخذها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لكبح جماح التضخم، حيث تم رفع الفائدة على مراحل إلى أن وصلت إلى المستويات الحالية.

والجزء الأصعب في المعادلة هو أنه رغم الانخفاض في مستويات التضخم، إلا أنها ما زالت بعيدة عن المستويات المستهدفة، التي تم تحديدها بـ 2 في المائة في ظل أن المستويات الحالية قريبة من 8 في المائة، ما يعني الاستمرار في الإجراءات الحالية إلى فترة قد تكون طويلة نسبيا، وبالتالي ستبقى تكلفة الاقتراض مرتفعة في الأسواق، ما يعني وجود صعوبات لدى مجموعة من الشركات والأنشطة التجارية، حيث إن التمويل حاجة ماسة في السوق وارتفاع تكلفته ينعكس بشكل واضح على الأنشطة الاقتصادية، وحصول الخسائر والإفلاسات، ينعكس سلبا على الاقتصاد في المرحلة المقبلة التي قد تعيدنا إلى إجراءات تهدف إلى تنشيط الاقتصاد مرة أخرى.

والسؤال هنا، هل توجد بدائل للتمويل من خلال الاقتراض أو حتى الديون التي تنشأ من خلال عقد مثل التورق الذي يمارس بصورة كبيرة لدى المؤسسات المالية المتوافقة مع الشريعة، الذي ينشأ عنه في الأغلب نتائج قريبة في الأثر من الاقتراض المباشر الذي تمارسه المؤسسات المالية التقليدية.

في التمويل الإسلامي توجد خيارات متعددة للتمويل بعيدا عن الاقتراض والتورق، بل حتى المرابحة التي يمكن أن تخفف من حدة المخاطرة على الشركات والمؤسسات والأنشطة التجارية المختلفة وتزيد فرص الانتفاع للمستفيدين من خلال الدخول في التمويل، أو الحصول على احتياجاتهم بتكلفة أقل نسبيا، ولعل من أبرز صور التمويل المتوافق مع الشريعة بعيدا عن الاقتراض، هو عقود المشاركات ومنها المضاربة، حيث يمكن من خلال هذا النوع من التمويل دخول مستثمرين في شراكة مع بعض الشركات في استيراد بضائع محددة وبيعها في السوق وتوزيع الأرباح بعد حساب جميع المصروفات الخاصة بتلك السلع، ولا يشترط أن تكون هذه المشاركة دائمة، بل يمكن أن تكون لمدة محدودة بحسب العقد والاتفاق، ويمكن الدخول في مشاركات لإتمام بعض مشاريع المقاولات الحكومية أو للقطاع الخاص، ويتم التوزيع بعد الانتهاء من المشروع والحصول على المستخلصات الخاصة به. والمخاطر في هذا النموذج على الشركات والمؤسسات محدودة جدا مقارنة بالاستدانة، خصوصا في المرحلة الحالية التي أصبح الاقتراض مكلفا، كما أن هذا يولد أشكالا جديدة من صورة التمويل والاستثمار في السوق ويشجع بصورة أكبر على تدفق رؤوس الأموال إلى السوق، بما في ذلك صناديق الاستثمار التي تبحث عن الفرص.

من الخيارات أيضا العقود التي تنبني على علاقة لمنتجات موصوفة في الذمة مثل البيع والإجارة الموصوفين في الذمة، حيث إن هذه العلاقة تتشكل في اتفاق بين طرفين لبيع منتج يتم تنفيذه نتيجة هذا الاتفاق، مثل بناء المنازل والشقق السكنية سواء بغرض البيع أو التأجير، وبدلا من أن يضطر المقاول أو مالك العقار إلى الاقتراض، يحصل على قيمة هذه العقارات مقدما وفق آلية ما يسمى اليوم البيع على الخارطة، الذي لا يحتاج إلى أن تكون قيمة العقار جاهزة للمستثمر، بل يستفيد من عملية دفع قيمته على دفعات بحسب الآلية المتفق عليها بين الطرفين، وهذا النوع من العقود قد يكون مفيدا للمستثمر، باعتبار أنه سيحصل على عقار في الأغلب بقيمة أقل وبمواصفات يختارها وعلى دفعات لا تتطلب منه طلب التمويل من أي جهة تمويلية، وبالتالي تكون المنافع مشتركة بين الطرفين دون دخول مؤسسات التمويل لمشاركتهما هذه المنافع.

الخلاصة، إن الظروف الحالية لأسعار الفائدة قد تبطئ النشاط الاقتصادي بسبب ارتفاع تكلفة التمويل، وبالتالي من المهم أن تكون هناك بدائل تحد من هذا التباطؤ، والتمويل الإسلامي يقدم حلولا تمويلية بعيدا عن الاقتراض أو الاستدانة عموما من المؤسسات التمويلية، من خلال عقود مثل المشاركات والبيع والتأجير الموصوف في الذمة وعقود أخرى، يمكن أن توفر بدائل للتمويل الذي يحتاج إلى أن تتشكل علاقة تكون المؤسسات المالية طرفا مستفيدا منها، بما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الحصول على السيولة لدى المؤسسات والشركات والأنشطة التجارية المختلفة.