عندما أصبح الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية، عيّن صهره جبران باسيل خلفاً له في رئاسة «التيار الوطني الحر». ومنذ ذلك اليوم بدأ الرجل يدور حول نفسه دورة لم يعرف مثلها لبنان. تصالح ثم تقاتل مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع. وتصادق ثم تقاتل مع رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل. وتقاتل وتصالح وتقاتل وتحالف وتعادى مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي. وتحالف ووقّع وانفض مع رئيس «المستقبل» سعد الحريري. وغضب ورضي واسترضى الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط. وعاهد وتعاهد ووالى وانتقد «حزب الله». وقام بجولات استفزاز شخصية على مواقع خصومه كادت تتحول إلى مجازر وكوارث وطنية، ومنها «زيارة» إلى بلدة سمير جعجع في موكب من أربعين سيارة.
في صفته، صهراً وزعيماً، عين الوزراء (والوزيرات) والسفراء (والسفيرات) والمدراء والمديرات. وأعطى الأوامر حيثما استطاع، وعقد في منزله مجالس وزراء مصغرة، وعطّل تشكيل الحكومات. ولما انتُقد في ذلك قال الرئيس عون قولته الشهيرة: «كرمال صهر الجنرال، عمرها ما تتشكل حكومة».
كان قائد الجيش الجديد الجنرال جوزيف عون، التعيين الوحيد في عهد الرئيس عون الذي لم يثر جدلاً واستغراباً وعلامات استفهام. ضابط ملتزم، منضبط، ومشهود الأخلاق، لدرجة أن أحداً لم يربط بينه وبين اسم العائلة، (لا صلة قربى)، وأضاف جوزيف عون قائداً للجيش الكثير مما تجمع في سيرته ضابطاً.
تململ جبران باسيل من الإجماع حول الرجل. وازداد غضباً عندما رفض تدخلاته وإملاءاته. وتحول الغضب إلى ما هو أشد عندما طرح اسم القائد رئيساً، ولكن من دون حروب ومعارك وتارات القائد الأسبق ميشال عون.
قبل أن تكتمل دورة الأرض بثانية، استوقفها باسيل وراح يسوق التهم إلى قائد المؤسسة الوحيدة الباقية في حطام لبنان، وما بقي منه بعد ست سنوات في قصر بعبدا. جلس باسيل يخاطب اللبنانيين، وقد وضع خلفه شعار «وحدنا». وما خطر له لحظة أن يراجع سنوات الحكم وأيام الفتنة والغلبة ويسأل نفسه: لماذا أصبح وحده؟ أو لماذا لم يبق له حليف أو صديق، أو حتى شريك في الصفقات السياسية القائمة على قدم وساق.
(كدسة سنوات من العجرفة وصنع العداوات). وكان قد بقي للبنانيين في هذا القحل والمحل والجدب والذل والعذاب، جيشهم، فلم يطق هذا المشهد. كلام على قائد الجيش يشبه نميمة النسوان. وتطبيق للشعار الذي رفعه مع خروج عون من القصر «مكملين معك». لكن ماذا عن البلد؟