لا كثير من الرحّالة، ولا قليل من المستشرقين وذوي الفضول السياحي الذي لا يشبع من الشغف المصري كتب عن أم الدنيا مثلما كتبت الراقصة الأمريكية الأسطورية إيزادورا دونكان 1877-1927 في مذكّراتها «حياتي» الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2011: ترجمة: مدحت طه.

كتبت دونكان تصف الرمال وشروق الشمس والمعابد والنساء والفلّاحين بلغة الشعر، ومن الطبيعي أن يمتلئ الإنسان بالشعر في الوقت الذي يمتلئ فيه بالدهشة حين يرى مكاناً للمرة الأولى في حياته. حيث الرؤية البكر، التي تشبه الولادة الأولى.

هذا مقطع من وصف مصر بعين راقصة في أواخر القرن التاسع عشر وربما في العقد الأول من القرن العشرين… «.. ما الذي أذكره عن هذه الرحلة إلى مصر؟.. شروق الشمس الأرجواني وغروب الشمس القرمزي، الرمال الذهبية للصحراء. والمعابد، الأيام المشمسة التي قضيتها في فناء المعبد حالمةً بحياة الفراعنة، وبطفلي القادم، الفلّاحات من النساء يسرن على ضفاف النيل بمزهريات (جرار) موضوعة على رؤوسهن الجميلة، وأجسامهنّ الضخمة تتأرجح تحت جلابيبهنّ السود..».

لم تذكر دونكان بالضبط في أي عام كانت زيارتها تلك لمصر، غير أنها تتابع الكتابة أفضل من أي صحفي وصفي أو استقصائي قائلة.. «.. مصر هي أرض الأحلام بالنسبة إلينا، أرض العمل الشاق للفلّاح الفقير لكنها على أي حال الأرض الوحيدة التي أعرف حيث يمكن أن يكون العمل الشاق جميلاً، فالفلّاح الذي يعيش على حساء العدس والخبز غير المخمّر (الفطير).. لديه جسم لدن جميل سواء أكان ينحني ليفلح الأرض في الحقول، أم يجلب المياه من النيل، وهو يقدّم دائماً نموذجاً برونزياً يبهج قلب أي نحّات في العالم..».

في الفترة المفترضة التي زارت فيها دونكان مصر (نهاية القرن التاسع عشر، أوّل القرن العشرين) كانت القاهرة مربط خيل الكثير من الفنانين العرب السوريين واللبنانيين (الشوام)، كما كانت وجهة فنانين وكتّاب وصحفيين من العراق: ورحلة جورجي زيدان معروفة إلى حيث أسس مجلة الهلال التي ستصبح موئل العقل والقلب للعرب.

من خلال رحلة دونكان، فهي لم تزر مصر لترقص، وقد كانت أيقونة عالمية في الفن الذي حوّلته إلى لغة جسد أشبه بالموسيقى أو الأبجديات، وهي أيضاً، لم تذكر أنها زارت لبنان على سبيل المثال، ولبنان آنذاك كان أيضاً موازياً بطولياً لمصر في صناعة الفنون والصحافة والأدب، ويبدو أن الراقصة كانت في طريق عودتها إلى أمريكا عبر مصر، فكان أن اكتملت أيقونتها الجاذبة بصور الفلّاحات المكتنزات، والفلّاحين الذين تلمع جلودهم بشعاع البرونز.