"وضع المؤسسات المالية في منطقة اليورو قوي"

إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا

ليس واضحا تماما الاتجاه العام للاقتصاد الأوروبي عموما، واقتصاد منطقة اليورو التي تضم 22 دولة خصوصا. ويعود ذلك إلى حالة عدم اليقين التي تمر بها هذه المنطقة، مع استمرار سياسة التشديد النقدي التي يتبعها البنك المركزي الأوروبي، كغيره من البنوك المركزية الأخرى في الدول المتقدمة، باستثناء اليابان التي حافظت على إبقاء الفائدة في حدودها الدنيا، حتى في ظل الضغوط التضخمية فيها. في بداية العام الحالي، انزلق "اقتصاد اليورو" إلى الركود البسيط، إن جاز التعبير، والسبب يعود أساسا إلى ارتفاع جديد حدث في تلك الفترة لأسعار الطاقة والغذاء عموما. لكن أخطار أن يتعمق هذا الركود لا تزال موجودة على الساحة، رغم نمو عابر لهذا الاقتصاد في الربع الأول بلغ أقل من 0.1 في المائة.

ربما سيحقق اقتصاد منطقة اليورو نموا فصليا قد يبلغ لاحقا 0.2 في المائة، إلا أن هذا النمو يبقى في وضعية مهتزة، بفعل الرفع المتتالي لمعدلات الفائدة، التي بلغ أعلى مستوى لها أخيرا منذ 22 عاما. الضغوط على منطقة اليورو ستبقى حاضرة حتى تتضح الصورة كاملة، ولا سيما الشكل النهائي للحرب في أوكرانيا التي ضاعفت الأعباء على كاهل الاقتصادات الغربية كلها، ولا سيما "الأوروبي" منها، يقع مباشرة ضمن دائرة هذه الحرب الأخطر في العالم منذ الحرب العالمية الثانية. فتكاليف المواجهات العسكرية ترتفع، والتأثيرات السلبية لها على الإمدادات، خصوصا الطاقة تتواصل، حتى بعد أن تمكنت أوروبا من تقليل اعتمادها بشدة على الطاقة الآتية من البر الروسي. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، متفائل بتجاوز الأزمة الراهنة، التي يعدها مثل بقية الزعماء الغربيين عالمية أكثر منها محلية.

لكن هذا لا يوفر الأرضية الصلبة لرفع معدلات النمو في منطقة اليورو، ولا حتى بعد منتصف العقد الحالي. فتبعات التضخم ستبقى فترة طويلة، والفائدة ستتواصل في الارتفاع أو ربما تبقى في حدودها المرتفعة فترة لن تكون قصيرة بالتأكيد. وفي الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام تراجع الناتج المحلي الإجمالي للدول التي تضمها منطقة اليورو بمعدل سنوي بلغ 0.4 في المائة. جاء ذلك بعد انخفاض مماثل تقريبا في الربع الأخير من العام الماضي. ووفق وكالة الإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبي "يوروستات"، فإن التغييرات التي وصفتها الوكالة بـ"الكبيرة" في البيانات الآتية من ألمانيا وأيرلندا وفنلندا، أدت بقوة إلى حالة الانكماش لاقتصاد المنطقة ككل، ما ترك المنطقة في حالة انكماش لربعين متتاليين، وهذا ما يؤكد التعريف الرسمي للركود الاقتصادي.

تأتي هذه التطورات الحرجة، في الوقت الذي ظهرت فيه أرقام شكلت صدمة حقيقة في أوساط الاتحاد الأوروبي ككل. فبعد 30 عاما على إطلاق السوق الأوروبية المشتركة، بقيت حركة رؤوس الأموال بين دول الاتحاد الأوروبي ككل، دون المستوى المأمول مقارنة بتزايد حركة انتقال الأفراد والبضائع عبر حدود هذه الدول. هذه النقطة اللافتة، دفعت المشرعين الفرنسيين الأكثر حماسا للكيان الأوروبي بكل أوضاعه وأشكاله، إلى طرح علامات استفهام حول ذلك. ما دفع حتى الرئيس الفرنسي، إلى الحديث عن ضرورة العمل ليس فقط لتعزيز الكيان الاقتصادي الأوروبي، إلى جانب حراكه الذي لا يتوقف ولا يهدأ من أجل تحويل هذا الكيان إلى قوة عالمية ثالثة، إلى جانب الولايات المتحدة والصين.

من الواضح أن تواضع انسياب رؤوس الأموال الخاصة تحديدا عبر دول الاتحاد، في هذا الوقت الحرج، سيطرح مزيدا من الأسئلة إلى أجل غير مسمى، بصدد العوائق المسببة لذلك. لكن هذا لا يكون ملحا حاليا، بينما تتم علاج آفة التضخم، والضغوط الآتية من أكثر من مصدر على اقتصاد اليورو عموما. فبحسب البنك المركزي الأوروبي، لن تكون ذروة التضخم الأساسي كافية لإعلان النصر، لأن الوضع بحاجة إلى دليل مقنع على عودة أسعار المستهلكين إلى الهدف الرسمي البالغ 2 في المائة. لكن من الناحية المنطقية من الصعب بلوغ هذا الهدف حتى في العامين المقبلين، لأن آثار الموجة التضخمية العاتية كبيرة وضاغطة بالفعل. والواقع أن "المركزي الأوروبي" نفسه وضع هدف للتضخم عند 3.2 في المائة في العام المقبل، في حين يتوقع أن يخفضه بحلول نهاية العام الجاري إلى 5.8 في المائة.

وفي كل الأحوال، ستكون الفترة المقبلة صعبة في منطقة اليورو، كما هي الحال على الساحة البريطانية، التي تواجه أيضا ضغوطا تسببت في أزمة عقارية اجتماعية مشابهة لتلك التي اندلعت في بداية تسعينيات القرن الماضي، عندما اضطر عشرات الآلاف من الأسر إلى تسليم منازلهم للجهات الدائنة. ولا يكون هناك نمو أوروبي قريب أو لافت في النصف الثاني من العام الحالي، لذلك فإن الحديث عن نمو مقبول في الفترة المقبلة، لن يكون واقعيا، خصوصا مع تمسك البنك المركزي الأوروبي بسياسة رفع الفائدة للحد من تضخم جاء وسط تفاعلات إقليمية وعالمية خطيرة ومؤثرة في كل الجوانب.