ما العلاقة بين نسب التضخم ومعدلات الفائدة وأسعار صرف العملات؟ هل فكرت يوما بالاستفادة من الفروقات بين العوائد المالية بين دولتين، مثلا سندات تمنح عائد سنوي 8 في المائة في دولة بينما العائد المحلي 4 في المائة؟ الحقيقة إن دراسة معدلات الفائدة وفروقاتها تعد واحدة من أهم المجالات المتخصصة التي يتعامل بها بعض المستثمرين المحترفين، الذين يتابعون نشر بيانات التضخم ومعدلات الفائدة الرسمية لأخذ ذلك في الحسبان.

بداية، تبين هذا الأسبوع حدوث ارتفاع في وتيرة تضخم الأسعار في الولايات المتحدة ليوليو مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي بمقدار 3.2 في المائة، وتلك نسبة أعلى من نسبة التضخم المعلنة الشهر الماضي بمقدار 3 في المائة، إلا أن قراءة بيانات التضخم مربكة وربما مضللة للمتابع العادي والسبب أن مقارنة مستويات الأسعار من فترة لأخرى تظهر نتائج غير بديهية أحيانا. مثلا الشهر الماضي جاءت نسبة التضخم السنوي متدنية نسبيا لأنها تقارن الأسعار في الشهر الماضي بأعلى قمة بلغتها الأسعار في يونيو 2022، فليس بالأمر المستغرب أن يظهر هناك انخفاض في نسبة التضخم.

بالمقابل، الإعلان الأخير ليوليو من هذا العام بدى مرتفعا لأن المقارنة تتم مع الشهر المقابل من العام الماضي الذي وقتها شهد تراجعا خفيفا في وتيرة ارتفاع التضخم، فظهرت نسبة التضخم مرتفعة هذه المرة، والنقطة المهمة هنا أن أسعار السلة الغذائية اليوم أعلى بالمتوسط من الأسعار العام الماضي بنسبة 3.2 في المائة. أي أنه على الرغم من أن الأسعار كانت مرتفعة العام الماضي بشكل موجع، فهي اليوم أعلى من ذلك بنسبة 3.2 في المائة!

أهمية رصد نسبة التضخم تأتي في تأثيرها في سعر الفائدة التي يتم رفعها من قبل البنوك المركزية للتصدي لمشكلة تضخم الأسعار، أي أن رفع سعر الفائدة يقوم بخفض مستوى السيولة المغذية للتضخم، وفي الوقت نفسه لرفع معدل الفائدة تأثيرات عديدة في سعر صرف العملات والعقود الآجلة للعملات وفي تجارة التعامل بالفائدة، إلى جانب تأثيراته الاقتصادية الأخرى.

الدولار الأمريكي الذي يستفيد من ارتفاع معدلات الفائدة ارتفع عقب إعلان بيانات التضخم، كون التضخم ينبئ عن مزيد من عمليات رفع معدلات الفائدة مستقبلا، وقد كان مؤشر الدولار انخفض لما دون 100 نقطة منتصف الشهر الماضي والآن بدأ يقترب من 103 نقاط. تأثير معدلات الفائدة في الدولار تأتي بشكل طبيعي بسبب ما يعرف بالمتاجرة على الفائدة "كاري تريد" وتحصل حين يرى المستثمرون أن معدل الفائدة في أمريكا أعلى منه في دولة أخرى، مثل اليابان أو أي عملة أخرى، فيقومون بتنفيذ عمليات اقتراض بالعملة ذات الفائدة الأقل نسبيا والاستثمار في أصول العملة ذات الفائدة المرتفعة.

فكرة المتاجرة بالفائدة تخالف حقيقة تكافؤ معدلات الفائدة، أي أنها تحاول استغلال أي ثغرات في هذه الحقيقة التي تقول إنه لا يمكن استغلال تباين معدلات الفائدة بين دولة وأخرى لأن أسعار صرف العملة المستقبلية تأخذ ذلك في الحسبان. بمعنى أنه لو كان معدل الفائدة في اليابان 1 في المائة وفي أمريكا 5 في المائة فلا يمكن الاقتراض بسعر الفائدة المتدني في اليابان وشراء سندات أمريكية بفائدة أعلى لتحقيق عائد أفضل مما هو متاح في اليابان، والسبب أن سعر الصرف في العام المقبل سيزيل أي ربح متحقق جراء ذلك، ليحصل المستثمر على الفائدة ذاتها كما لو أنه استثمر في اليابان من الأساس.

يمكن التحقق من صحة تكافؤ معدلات الفائدة بالنظر إلى العقود الآجلة للعملة، وهي العقود المتاحة من قبل البنوك ويستخدمها التجار للتحوط من تقلب أسعار الصرف، أو كذلك من خلال العقود المستقبلية للعملة. كمثال على ذلك، اليوم السعر الفوري لصرف الين نحو 144 ينا للدولار، بينما في مثل هذا الوقت من العام المقبل سعر الصرف 138 ينا للدولار كما يتم تداوله اليوم في العقود المستقبلية، أي لو أن تاجرا في اليابان يرغب في الحصول على الدولار في العام المقبل فيستطيع ضمان ذلك اليوم بسعر 137 ينا للدولار. فلو حاول مستثمر ياباني استغلال تباين معدلات الفائدة بين اليابان وأمريكا وقام بتحويل 144 ينا إلى دولار واحد، ومن ثم حقق فائدة بنسبة 5 في المائة في أمريكا، فسيصبح لديه 1.05 دولار بنهاية العام، وبما أن سعر الصرف سيكون 138 ينا للدولار، فعندئذ يقوم المستثمر بتحويل الدولار مرة أخرى إلى الين ليحصل على 144.9 ين، أي بفائدة 0.62 في المائة، وذلك قريب لما كان سيحصل عليه لو أنه أودع ماله في اليابان لمدة عام.

هذا المفهوم لتكافؤ معدلات الفائدة يسمى النوع المغطى،covered interest rate parity، أي أن من يقوم بتلك العمليات يستخدم سعر الصرف الأجل كغطاء واقي ضد تغير صرف العملة، على الرغم من أن النظرية تؤكد أنه لا يمكن تحقيق أي ربح في هذه الحالة، حيث أثبتت الدراسات التجريبية صحة النوع المغطى من النظرية، بمعنى أنه لا يمكن تحقيق ربح من تباين معدلات الفائدة، ولكن كثيرا من المتعاملين يحاولون استغلال أي ثغرات قد تنشأ، وبذلك يخاطرون بالنوع غير المغطى، أي أنهم يكذبون صحة أسعار الصرف الآجلة. فعلى الرغم من أن نظرية تكافؤ معدلات الفائدة تشير إلى عدم إمكانية تحقيق أي أرباح من تباين معدلات الفائدة، إلا أن طبيعة الأسواق وتحركات العرض والطلب واختلاف الآراء والتوقعات توجد فرصا لهؤلاء المضاربين وتنتج أحيانا ثغرات بسيطة يحاول هؤلاء استغلالها على الفور. بل إن هناك عمليات مراجحة "أربيتراج" معقدة يمكن القيام بها في مجال الفائدة تعتمد على استغلال الفرص في تباين معدلات الفائدة بين الدول وتحرك أسعار صرف العملات في أي وقت من الأوقات.

نظرية تكافؤ معدلات الفائدة تفترض أن هناك حرية تامة في حركة رؤوس الأموال، أي أنه لا توجد قيود على الانتقال من الين إلى الدولار أو من الجنيه إلى اليورو وغيرها من العملات، وأن درجة المخاطرة واحدة، أي أن القوة الائتمانية للجهات المصدرة واحدة، ولذلك فإن أي اختلال في هذه الافتراضات ينتج عنه فرص كبيرة لتحقيق أرباح مناسبة نتيجة تباين معدلات الفائدة. هذا يعني أن فرص تحقيق الربح من معدلات الفائدة في بعض الدول أفضل منه في دول أخرى بسبب اختلاف نسب التضخم وحدة تذبذبه من دولة لأخرى، إلى جانب الفروقات الكبيرة بين معدلات الفائدة بين الدول القوية والدول النامية، وبالتالي يمكن تجاوز حقيقة تكافؤ معدلات الفائدة بسبب التفاوت الكبير في كفاءة الأسواق بين الدول.