قام ائتلاف من الأميركيين العرب، واليهود الأميركيين التقدميين، والمدافعين عن الحريات المدنية في أتلانتا، مؤخراً بحشد جهودهم لمنع المجلس التشريعي في جورجيا من تمرير مشروع قانون يغير تعريف معاداة السامية ليشمل الانتقاد الشرعي لإسرائيل.
وتم تمرير مشاريع قوانين مماثلة في ولايات أخرى، كجزء من استراتيجية وطنية من قبل عدد قليل من الجماعات المؤيدة لإسرائيل ومراكز الأبحاث اليمينية.
بدعم من تشريعات أو أوامر تنفيذية ناجحة في أكثر من 30 ولاية لمعاقبة الكيانات أو الأفراد الذين يدعمون مقاطعة إسرائيل أو فرض عقوبات عليها، تعمل هذه الجماعات على توسيع حملتها لإسكات الانتقادات الموجهة لإسرائيل من خلال الضغط على حكومات الولايات لتبني تعريف مثير للجدل لمعاداة السامية، قائلة، إن الجهود المبذولة لشيطنة إسرائيل أو الحكم عليها بأنها تتبع «معايير مزدوجة» تعد معادية للسامية.
وعلى الرغم من فشل مشروع قانون جورجيا، فإنه سيعود في العام المقبل. إن مشاريع القوانين والجهود الرامية إلى الخلط بين الانتقاد المشروع لإسرائيل ومعاداة السامية ليست سوى جزء واحد من حملة أوسع للقضاء على المشاعر المتزايدة المؤيدة للفلسطينيين في الولايات المتحدة. ومن خلال معاقبة الخطاب المؤيد للفلسطينيين في الجامعات ودحر السياسيين الذين ينتقدون السلوكيات الإسرائيلية، تحاول هذه الحملة إعادة إسكات الأصوات المؤيدة للفلسطينيين ومنتقدي إسرائيل، والتي كانت سائدة لعقود من الزمن. خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، تم دحر أعضاء الكونجرس الذين تجرؤوا على الدفاع عن الحقوق الفلسطينية. حيث فقد الأساتذة مناصبهم، وتم إلغاء المتحدثين، وتم تشويه سمعة المجموعات والأفراد.
ومع تحول الرأي العام خلال الانتفاضة وإدراج منظمة التحرير الفلسطينية في نهاية المطاف في عملية السلام، فقدت قوة هذا الترهيب زخمها وبدأ نقاش مفتوح. وأدت التقلبات صعوداً وهبوطاً، (في الغالب الأخيرة)، في عملية السلام إلى تجديد الجدل حول القضايا الإسرائيلية/الفلسطينية. لكن السلوكيات المتزايدة من جانب سياسات الحكومة الإسرائيلية وزيادة التدقيق في سياساتها أدت إلى تحول جذري في الرأي العام الأميركي. واليوم، تؤيد الأغلبية في كلا الحزبين ربط المساعدات الأميركية لإسرائيل بمدى الالتزام بحقوق الإنسان.
وبهامش كبير، أصبح «الديمقراطيون» الآن أكثر تفهماً لمشكلات الفلسطينيين. وأصبح المرشحون الذين دافعوا عن حقوق الإنسان الفلسطيني وانتقدوا إسرائيل يترشحون للكونجرس ويفوزون. وينخرط الطلاب الجريئون – بما في ذلك الأميركيون العرب والسود والأميركيون الآسيويون، والشباب اليهود التقدميون – في أعمال مؤيدة للفلسطينيين في حرم الجامعات. وخلق هذا التحول أزمة للجماعات المتشددة المؤيدة لإسرائيل التي استقرت على هجوم ذي مسارين.
الأول، تحولت لجان العمل السياسي الجديدة المؤيدة لإسرائيل (إيباك) من جمع الأموال للمرشحين الذين يدعمون إسرائيل إلى جمع الأموال لهزيمة المرشحين المؤيدين للفلسطينيين. ولا تركز إعلاناتهم أبداً على دعم إسرائيل - وهي قضية لن تحقق فوزاً - وبدلاً من ذلك تركز على الهجمات الشخصية ضد المرشحين الذين يعارضونهم. ومؤخراً، أعلنت «إيباك» وحلفاؤها عن عزمهم إنفاق عشرات الملايين في عام 2024 لهزيمة مرشحي الكونجرس الذين يعتبرون غير مؤيدين لإسرائيل بشكل كافٍ.
والمسار الثاني هو المسار التشريعي. وكما أشارت «لارا فريدمان» مؤخراً: «في الأساس، يُنظر إلى المجتمع المؤيد لإسرائيل على أنه يقول إنه لا يستطيع الفوز في النقاش حول استحقاقات القضية، ولكن بدلاً من ذلك عليه أن يحاول إسكات الجانب الآخر». لقد قاموا بحملات تشهير ضد الأفراد والجماعات التي يُنظر إليها على أنها تنتقد السياسات الإسرائيلية – بما في ذلك الجماعات اليهودية التقدمية – واصفين إياهم بمعادي السامية.
وهذا يضر بتمكين العرب الأميركيين ومشاركتهم المدنية. يؤدي هذا الجهد إلى خنق النقاش حول أحد مصادر القلق المهمة في السياسة الخارجية، ويسحق حرية التعبير، ويخرس الدعم للفلسطينيين. ومن خلال الخلط بين معاداة السامية وانتقاد إسرائيل، يتم تحويل الانتباه عن معاداة السامية الحقيقية، والتي تتمثل في اتخاذ مواقف متعصبة تجاه اليهود، أو التعبير عنها، أو التصرف بناءً عليها، كأفراد أو مجموعة، ونسب صفات متأصلة فيهم، كيهود، إلى الشعب اليهودي. وهذا، مثل كل أشكال الكراهية، يجب محاربته ومنعه تماماً.
ولأن الأشخاص المستهدفين في هذه الحملة المؤيدة لإسرائيل هم في الغالب منتقدون تقدميون للسياسات الإسرائيلية، فقد تم منح تصريح مجاني لمعادي السامية اليمينيين المؤيدين لإسرائيل. إن انتقاد إسرائيل بسبب الاستيلاء على الأراضي، أو هدم المنازل، أو رفض حق اللاجئين في العودة، هو أمر مقبول. وإسكات المنتقدين لهذه السلوكيات هو في حد ذاته تعصب. كثيراً ما تتهم الجماعات المؤيدة لإسرائيل منتقدي إسرائيل بـ«استهداف إسرائيل بشكل غير عادل بدافع الانتقاد».
*رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن