منذ ظهور العصر الرقمي وانتشار الإنترنت، عاش العالم تحت تأثير تفاعل تكنولوجي متزايد في كل جوانب الحياة اليومية. ورغم فوائد التقنية الحديثة، فإن العديد من الدول العربية لا تزال تعتمد بشكل ملحوظ على التكنولوجيا والخدمات الأجنبية، مما يعرضنا لتحديات كبيرة يجب التصدي لها بجدية قبل أن تنقلب ضدنا.

اليوم، سواء أكنت فرداً عادياً أو ممثلاً لمؤسسة معينة، إذا كنت ترغب في توثيق أحد حساباتك الاجتماعية على غرار منصة «إكس» مثلاً، فستكون مطالباً بتقديم وثائق رسمية لتأكيد هويتك أو هوية مؤسستك لدى إدارة هذه الشركة.

لكن هذا الإجراء يثير تساؤلات ذات أهمية بالغة. ماذا لو امتلكت شركة دولية كبرى واحدة من تلك المنصات الاجتماعية؟ هل ستكون بياناتك الحساسة عرضة للاستغلال على أيدي أصحاب تلك المؤسسة، الذين يمكنهم استخدامها بأي طريقة يرونها مناسبة؟!

ولا تنتهي الخطورة هنا فحسب، بل هناك تهديدات أكبر وأخطر. يمكن للهاكرز والجهات الخارجية غير المرغوب فيها الاستيلاء على بياناتك الشخصية واستغلالها بطرق غير مشروعة، ناهيك عن احتكار العالم الغربي لكل ما هو رقمي، وقدرتهم تبعاً لذلك على قطع التكنولوجيا عنا بكبسة زر واحدة، ما يعني أننا وبصريح العبارة «تحت رحمتهم».

في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى المبادرة الصينية الرائدة في تحقيق السيادة التكنولوجية؛ حيث قامت الصين ببناء بنية تحتية رقمية قوية وشاملة، تتضمن شبكة الإنترنت الصينية الخاصة بها، والتي توفر برامج ومواقع تواصل اجتماعي محلية، وحتى أجهزة الهواتف المحمولة وأنظمة الخرائط، دون أن تضحي بقيمها وثقافتها. وهذه الخطوة المفصلية منحت الصين سيادتها التكنولوجية والسيطرة على مصيرها الرقمي دون تدخل خارجي. كما قرأت مؤخراً عن أن روسيا تخطط لإنشاء شبكة خوادم إنترنت مستقلة داخل حدودها؛ لضمان عدم التدخل الخارجي فيها على الإطلاق.

من هذا المنطلق، يُطرح تساؤل مهم: هل بإمكان العرب تحقيق شيء مشابه؟ الإجابة نعم. فالإمارات مثلاً تملك البنية التحتية لإنشاء شبكة إنترنت وأنظمة مستقلة خاصة بها، تحافظ على خصوصية بياناتها وهويتها الثقافية. وقد استثمرت حكومتنا الرشيدة والقيادة الحكيمة بشكل كبير في تطوير البنية التحتية الرقمية، وقامت بإطلاق مشاريع تكنولوجية رائدة مثل مشروع «القمر الصناعي الإماراتي»، وإنشاء مؤسسات تقنية محلية مبتكرة.

بهذا تقدم الإمارات نموذجاً يحتذى به في كيفية تحقيق الدول العربية للسيادة والاستقلالية التكنولوجية، وذلك عن طريق الاستثمار الحكيم في تطوير حلول رقمية مبتكرة، ترتكز على احتياجات مجتمعاتنا، وتدعم هويتنا الثقافية الأصيلة.