- بدأ الشهر الثاني للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو لما اصطلحت على تسميته الفضائيات العربية بالحرب الجديدة، والمتغيرة بين غزة وإسرائيل. أرجو أن لا يستغرب أحد ما أقول وخذوني بحلمكم لكي أبين لكم جملة متغيرات طرأت على طبيعة الصراع وأطرافه، وحواضنه التقليدية والجديدة منذ ١٩٤٨م إلى ٢٠٢٣م.

- الصراع العربي الإسرائيلي انكمش من كونه صراع بين منظومتين بشريتين كل منها تحمل تاريخ وتراث مثقل بالتقليد والمآثر، وحتى المآسي، كل ذلك انقلب إلى صراعات فاقدة لكل قيم التكالب البشري إلى عمليات قتل، وتعذيب وتشريد غير مسؤولة.

في الحروب العربية الإسرئيلية من العام ١٩٤٨ إلى حرب أكتوبر ١٩٧٣ كان صراع المنطقة عربي إسرائيلي بعبارة أخرى بين الجسم السياسي العربي وبين الكيان الغاصب المصطنع المدعوم من القوى الكبرى.

ولكن أبرز تغيّر يمكن أن نرصده كمراقبين في العلاقة العربية الإسرائيلية هو اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وبين إسرائيل والتي فسّرها العرب حينها بسرعة شديدة أنها تعني نهاية الصراع بدون ضربة حتى ولو كانت غير قاضية بمعنى أن الجسم السياسي العربي أدرك في لحظة ما أنه خرج من المعادلة الصراعية وتأكد هذه الحقيقة بتوالي عمليات إتفاقيات السلام التي استمرت منذ العام ١٩٩٤ حتى آخر الاتفاقيات التي باتت معروفة للجميع.

- بهذه الصيغة لم يعد الموقف العربي موحد بالضرورة في السراء والضراء كما يقولون بل بدأ يلعب بعض الادوار الجديدة مثل أدوار الوساطة، والتقريب بين وجهات النظر، والسعي للوصول إلى اهداءات هنا وهناك في الظاهر أنها كانت لمصلحة كل الاطراف، والحقيقة كانت في مصلحة الطرف الإسرائيلي بدون جدال، الذي تحققت رويته في تحول الصراع مع الكل إلى أشكال جديدة من الإبادة مع الجزء الذي يرفض أن يهضم فكرة الاحتلال.

- إلى ما قبل حرب أكتوبر ١٩٧٣م كان العالم يترقب عبر كل وسائل الاتصال المتاحة حينها خطاب، أو قرار للملك فيصل أو للرئيس المصري أنور السادات رحمهما الله كونهما زعامات تاريخية وقيادات حقيقية لشعوب، ولأوطانهم ولأمة عريقة تحاول المحافظة على عراقتها.

- واليوم وفي زمن حرب العالم على الجزء المتبقي من القضية وهو الشعب الفلسطيني والعرب الصادقين والمخلصين لقضيتهم، بات العالم ينتظر خطابات نكرات مجهولين في سوق التاريخ والحرب، والسلم وفي أسواق التعامل الدولي المعتبر، اصحاب هذه الخطابات وإن أطلق عليهم زعماء فهم زعماء لجماعات منعزلة وهي تقليدياً جماعات مادون الدولة، انتزعت لأسباب يطول شرحها الأضواء ليقتل الابرياء في فلسطين تحت الظلام.