مع كل تطور في مكافحة الاحتيال يحاول المجرمون تطوير أساليب جديدة، ورغم تطور الوعي، وحملات التوعية، وتبادل الناس للخبرات والنصائح، رغم كل ذلك، إلا أن البعض يقع من حين إلى آخر ضحية لفكرة جديدة لم ينتشر الوعي الكافي عنها، ولم ينتشر أمرها بين الناس فيحذرونها.

بعض المحتالين يأخذون طريقا طويل المدى، يعملون بشكل أبطأ من المحتال الذي يريد سرقة بيانات أو حسابات في الحال، يصنعون لأنفسهم هالة إعلانية تنجح في بعض الأحيان.

اتصل بي كبير سن ومقام يسألني عن الاستثمار الجديد الذي دشنته الحكومة بعوائد خيالية تزيد على 30 في المائة شهريا؟ فورا خطر في بالي الاحتيال، فطلبت منه الحذر وعدم الالتفات لهذا الأمر، فقال لي إن الخبر "أذيع رسميا"، وإن الجهة اسمها كذا، وإنها تعمل وفق الرؤية السعودية؟!

رغم متابعتي اليومية لوسائل الإعلام المختلفة إلا أني قلت ربما فاتني الخبر، بحثت جيدا وبدقة فلم أجد الخبر المذكور، تعمقت في البحث عن اسم الجهة فلم أجد سوى موقع إلكتروني ليس فيه ما يدل على أنه رسمي أو فيه عناوين ووسائل تواصل واضحة، إلا أن فيه محتوى قريبا مما ذكر الرجل الفاضل دون ذكر أرقام أو كيفية الاستثمار معهم.

طلبت منه أن يرسل لي أو يسمعني الخبر الذي شاهده، وبمساعدة أحفاده أسمعني خبرا يبدو للوهلة الأولى رسميا، بصوت مذيع يشبه مذيعي الأخبار، وهو من مقطع مرئي يبث صورا رسمية عن المملكة والرؤية والتطورات الاقتصادية ويصوغ عباراته باحترافية توحي بالرسمية، فعرفت فورا أنه الإعلان التمهيدي الذي سيعقبه استقبال طلبات الاستثمار المزعوم ذي العوائد الخيالية والمغرية.

أفهمت الرجل وكررت التحذير وأوصيت أبناءه الذين سخروا له بعض وسائل التقنية لتسليته في النهار أثناء انشغالهم، وتأملت في خطة الاحتيال طويل المدى التي يمارسها هؤلاء بحثا عن صيد عدد قليل من الناس، لكنهم صيد ثمين إذا صدقوا وفكروا في الاستثمار معهم.

الكسب المشروع الحلال يرغب فيه الجميع، والحقيقة أنني للوهلة الأولى وللحظات عابرة فرحت بما أخبرني مع توقعي أن العوائد سنوية وليست شهرية وهي تظل ممتازة ومغرية جدا، إنها غريزة إنسانية طبيعية، لكنها تحتاج دوما إلى إمعان العقل والتبصر جيدا في كل ما يعرض عليك.

هناك أنواع كثيرة من محتالي النفس الطويل تزخر بهم وسائل التواصل الاجتماعي، والمؤسف أن الرقابة على الإعلانات من الشركات المالكة لهذه الوسائل ضعيفة أو معدومة أحيانا طالما أنها لا تمس "أجنداتهم" الخاصة.