تعتبر قارة أفريقيا ثاني أكبر قارات العالم، بعد قارة آسيا، إذ تبلغ مساحتها 30.2 مليون كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكانها الآن حوالي 1.4 بليون نسمة. وبها الآن 53 دولة (مستقلة)، و9 مناطق تابعة. وقد استقلت معظم هذه الدول بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، سنة 1945م، بعد حركة تصفية الاستعمار (القديم) التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة. ولكن أغلب هذه الدول وقعت في فخ (الاستعمار الجديد) بعد حصولها (رسمياً) على الاستقلال، وخلاصها من الاستعمار القديم، كما أن معظمها ابتلي بأنظمة سياسية هشَّة، وبحصول انقلابات عسكرية متتالية؛ بعضها من تدبير المستعمرين الجدد، وبعضها انقلابات تمثل رد فعل شعبياً على أطماع المستعمرين وأنصارهم في الداخل، إذ إن قارة أفريقيا تتصدر قارات العالم بالانقلابات العسكرية؛ فمنذ حصول أغلب دول أفريقيا على استقلالها، شهدت 187 انقلاباً عسكرياً، حتى عام 1977م. ووصل العدد إلى حوالي 200 انقلاب، بحلول عام 2023م.

وللتوضيح، يمكن تقسيم الانقلابات العسكرية، بناء على أهدافها الحقيقية، إلى قسمين رئيسين، هما:

- الانقلابات العسكرية الهادفة لتمكين الاستعمار الجديد من البلد المستهدف، ومقدراته؛ فهذه انقلابات مصطنعة، غالباً ما تكون من صنع المستعمر، وهدفها تحقيق مصالحه، ومصالح أعوانه المحليين.

- الانقلابات العسكرية الهادفة لمقاومة الاستغلال الذي يمارسه الاستعمار الجديد على مقدرات، وموارد، وإمكانات، وحريات البلد المستهدف؛ وهذه الانقلابات هدفها (الرئيس/ ‏الأولي) هو تحقيق المصلحة العامة لشعب الدولة المعنية.

ومعروف أن معظم الانقلابات العسكرية لها آثار سلبية فادحة على أمن واستقرار وازدهار البلد الذي يبتلى بها. ولكن أخطر الانقلابات، وأكثرها ضرراً، وسوءاً، هي تلك التي تُدبَّر بليلٍ من قبل الطامع الأجنبي، وأعوانه، وتهدف لخدمة الاستعمار، دون اكتراث بالمصلحة العامة للبلد المعني.

ومعظم الانقلابات العسكرية التي قامت في القارة الأفريقية تبين، لاحقاً، أنها تهدف لتمكين المستعمر الأجنبي، وتسهيل تحقيق أهدافه في البلد المعني، وإشباع حب التسلُّط لدى من قاموا بها من قادة الجيش المعني. والواقع أن بعض الانقلابات العسكرية التي قامت ضد المستعمر (الغربي) السابق والحالي، وأطماعه، تحولت إلى قوى داعمة للاستعمار، ومطامعه.. بعد أن عجز قادتها عن الاستمرار في السلطة، دون مساعدة داعم أجنبي، الذي غالباً ما يكون هو المستعمر السابق، بشحمه ولحمه؛ الأمر الذي يضمن لأولئك القادة الاستمرار في السلطة، التي غالباً ما تكون عبارة عن: نظام سياسي ديمقراطي المظهر، ديكتاتوري المخبر والجوهر (A3). وكثيراً ما (يعدّل) الدستور، ليتيح لـ(الرئيس) تمديد ولايته لما لا نهاية، وليس الاكتفاء بفترتين.

ونادراً ما يخلص الانقلابيون في العمل على تحويل نظام بلادهم من الحكم العسكري (عبر مجلس سيادة عسكري) إلى النظام المدني الشعبي المطلوب؛ محلياً وعالمياً، بعد مرور (فترة انتقالية)، تتراوح بين 1 إلى 3 سنوات. ثم تجرى انتخابات تشريعية ورئاسية، تتمخض عن قيام حكومة (ديمقراطية) وطنية جديدة، إن كانت الانتخابات سليمة، ونزيهة. ولكن، كثيراً ما تكون تلك الانتخابات غير نزيهة، بشكلٍ أو بآخر، وتتمخض عنها حكومة مصطنعة، لا سيما إذا رشح الانقلابيون قائدهم لمنصب الرئيس، و(فاز) ذلك الهمام بمنصب الرئاسة. عند ذلك، تكون البلاد المعنية قد خرجت من سيطرة ديكتاتور، لتدخل تحت سيطرة آخر، ويمسي (التغيير) الذي استحدث (عبر الانقلاب المعني) شكلياً... أي مجرد تغيير في الأسماء.

وقد يستمر الوضع الجديد لعقد، أو أقل، إذ سرعان ما يقوم انقلاب عسكري جديد آخر، يعيد البلاد المعنية إلى المربع الأول، وهكذا... في دوامة سياسية، لها أبعاد وتداعيات سلبية فادحة، على كل مناحي الحياة، سببها العمالة، والخيانة الوطنية، والتحالف مع المستعمر الأجنبي، والطمع في الاستيلاء على السلطة، لخدمة المصالح الخاصة (لقادة الانقلاب) وأيضاً خدمة مصالح رعاتها الأجانب، وتسهيل تحقيق أهدافهم، وأطماعهم، في البلد المعني. وذلك مثال فقط على أهمية، وخطورة النظام السياسي، وضرورة كونه ممثلاً حقيقياً لشعبه، عاملاً على خدمته، مدافعاً بالفعل عن حياضه. وتلك معضلة سياسية كبرى، تواجه معظم القارة الأفريقية، وتقف حجر عثرة في سبيل تطورها، ونموها نمواً طبيعياً سليماً.

إن من الظلم أن ينهب الاستعمار الجديد موارد هذه القارة، بالتعاون مع الطبقة الأوليجاركية الأفريقية، هنا وهناك. وربما آن الأوان لتدخل فعال من قبل منظمة «الاتحاد الأفريقي»، ليضع حداً لهذه الدوامة المدمرة، ويعمل ما بوسعه لضمان قيام نظام سياسي وطني حقيقي في كل من الدول التي تعاني من هذه الدوامة، يوقف استنزاف موارد القارة، من قبل هذا التحالف الاستعماري - الأوليجاركي، ويحول دون تمكين هذا التحالف من التحكم في رقاب ومقدرات شعوب أغلب دول هذه القارة.