في زمنه، استهجن سلامة موسى إصدار نصٍ درامي لمحمود تيمور باللغة العربية الفصحى والعامية المصرية أيضاً في مجلد واحد، «كما لو كانت إحداهما ترجمة للأخرى». في ذلك رأى موسى تقسيماً للناس إلى فئتين أو قسمين: قسم راقٍ، متعلم، وقسم بسيط وربما جاهل، لا يتذوق الأدب الرفيع، وبالتالي فليقرأ المتعلمون، الراقون، النص بالفصحى فيما يقرأه البقية بالعامية، بدل السعي إلى الارتقاء بذائقة محدودي الثقافة عبر الكتابة إليهم بلغة فصحى مفهومة، وغير معقدة، وبكلمات موسى: «أليس الأحرى بالأديب أن يكتب بالكلمة السهلة والأسلوب اليسر الذي يفهمه الشعب؟».

الأرجح أن نيّة محمود تيمور في إصدار عمله بنصين: الأول فصيح والثاني بالعامية، نية صافية ومخلصة، وأنه أراد بذلك أن يصل ما كتبه إلى أوسع قطاع ممكن من القراء، في رغبة منه في تعميم الثقافة وليس حصرها في النخبة المتعلمة، لكن سلامة موسى كان محقاً في التحفظ الذي أبداه على ذلك، وهو يعالج علاقتنا باللغة، التي أشار إليها مراراً ب «الكلمات» في مقاله الذي عالج فيه الموضوع وعنونه كالتالي: «اللغة أعظم أدواتنا الاجتماعية».

أجمل وأعمق ما في مقال سلامة موسى هذا، هو مناقشته للعلاقة بين الكلمات والأفكار، في مقاربة صاغها بأسلوبه السهل الممتنع الذي يعرفه كل من قرأ له. وحول هذه العلاقة يوضح موسى أن الناس لا يفكرون بالأفكار وإنما بالكلمات، كأنه يقول إن الفكرة إن بقيت في الدماغ وحده دون أن تقال أو تكتب ستكفّ عن أن تكون فكرة، فالمروي والمكتوب هما اللذان يصوغان الأفكار وينقلانها إلى التفاعل المجتمعي. وحول هذا أوضح موسى أنه مثلما تستعمل الناس الكلمات، فإن الكلمات أيضاً تستعملهم؛ بل وتتسلط عليهم، لأننا «مقيّدون في تفكيرنا، وموجهون به، بما تحمل هذه الكلمات من معانٍ»، «فعقولنا تكبر باللغة، بالكلمات، ولن يستطيع أحدنا أن يفكر بدون كلمات إلا إذا استعان بعلامات الخرس».

أمر آخر يلفتنا سلامة موسى إليه، على الرغم من بديهيته، وما أكثر ما نغفل عن البديهيات، فلفرط بداهتها لا تلفت أنظارنا، وهو أننا لا نخترع كلمات اللغة، وإنما نرثها من مجتمعنا، وحتى لو حدث وأن اخترع أهل العلم والمعرفة كلمات أو تعريفات، كما هي الحال في العلوم والفنون، فإنها تظلّ مفردات قليلة جداً، ولا تقارن بما ورثناه، وما لم يقله موسى هو أنه حتى ونحن نخترع الكلمات فإننا أثناء صوغها محكومون بأثر ما ورثناه من لغة.

وكخلاصة يمكن استنباطها من ثنايا كل ما ورد أعلاه، يمكن القول إن الفكرة، أي فكرة، تبقى غامضة ومشوشة، حتى نصوغها في كلمات «فتتبين لها حدود ويتضح لها معنى».