جمعني وصديقي الشغوف بالقراءة مؤخراً حديث شائق حول ريادة دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال الاستثمارات في سوق الخدمات اللوجستية في منطقة الشرق الأوسط، وقد أثارت انتباهي عبارة ذكرها صديقي في معرض حديثه حيث قال إننا بحاجة إلى «عباقرة في مجال الإمداد» أو ما يطلق عليه حديثاً «المجال اللوجستي». ولتأكيد حديثه حول ضرورة الاهتمام بإعداد وتأهيل الكوادر الوطنية في المجالات اللوجستية، كي يكونوا قادة وخبراء في هذه المجالات، أعادني للوراء قليلاً، إلى انتشار جائحة «كوفيد–19» في أنحاء العالم. ففي بداية عام 2020 توقفت حركة الحياة فعلياً في معظم دول العالم، لكنها لم تتوقف في الإمارات التي نشطت في مجال النقل اللوجستي حيث أبدعت في إنشاء سلسلة التوريد الخاصة بها لنقل البضائع الحيوية من كل أنحاء العالم، ثم قدمت العون للدول الأخرى التي لم تمتلك تلك القدرات. فسلاسل التوريد العالمية هي شبكات بين الجهة المنتجة للسلعة ومورديها ومستهلكيها، وهي سلاسل تتضمن جميع الإجراءات التي تقوم بتحويل البضائع الخام إلى منتجات قابلة للتسويق. وتشمل شبكات سلسلة التوريد العالمية الأنشطة والأشخاص والتكنولوجيا والمعلومات والموارد والمبيعات والتوريد والمشتريات والتصنيع والخدمات اللوجستية وخدمة العملاء. وقد تطورت عملية سلسلة التوريد على مر القرون. فقديماً كان لا بد من تجميع البضائع بالقرب من مصدر المواد الخام، وذلك بسبب عوامل النقل والتكلفة، وأنشأ الإنسان طرق التجارة القديمة، مثل طريق الحرير عبر آسيا الوسطى للوصول إلى المستهلك النهائي. ثم تطورت سلاسل الإمداد والتزويد تزامناً مع الثورة الصناعية وتحديداً مرحلتها الأولى في إنجلترا من أواخر القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر، ثم الثورة الصناعية الثانية من منتصف القرن التاسع عشر إلى أوائل القرن العشرين (الثورة التكنولوجية)، ثم ثورة الاتصالات، وانتهاءً بالثورة الصناعية الرابعة الرقمية. وشهدت سلاسل الإمداد خلال تلك الثورات طفرات قوية عندما برزت الميكنة والطاقة البخارية ثم الكهرباء وإنتاج الحديد والصلب، فالتقدم التكنولوجي الذي أنتج الحاويات، ثم تطور الاتصالات، فالتحول الرقمي والثورة في أتمتة ومراقبة وتحليل سلاسل التوريد من خلال التكنولوجيا الذكية.

وقد أصبحت سلاسل التوريد العالمية وسيلةً قوية لتنظيم الاستثمار والإنتاج والتجارة في الاقتصاد العالمي. واستفادت العديد من البلدان من سلاسل التوريد التي عززت فرص العمل لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لديها. ولذا أصبحت سلاسل الإمداد العالمية تحتل مكانة استراتيجية في تخطيط أولويات السياسة الخارجية لغالبية الدول في وقتنا الحالي، لمواجهة خطر حدوث أي اضطرابات في صناعة واحدة قد تؤثر على قطاعات صناعية أخرى مجاورة، لتؤثر على الاقتصاد بأكمله، ليس فقط في البلد ذاته، ولكن أيضاً على المستوى الإقليمي ثم العالمي وبالتالي على سلاسل التوريد ككل.

ويُعتبر النزاع القائم بين روسيا وأوكرانيا أبرز مثال على ذلك لما تَسبب فيه من اضطرابات هائلة في سلاسل إمدادات الغذاء والطاقة، لما نجم عنه من ارتفاع في الأسعار ونمو في التضخم العالمي.

والمحصلة أنه أصبح لسلاسل التوريد العالمية أهمية استراتيجية كبرى لدى الدول المتقدمة بشكل عام ولدى دولة الإمارات بشكل خاص والتي أضحت واحدة من أهم مراكز الخدمات اللوجستية العالمية والتي تساهم، بفضل إنجازاتها الكبرى في تطوير المجال اللوجستي ودعم الأمن في العالم.