أعلم تماما أن الانتحار يرتبط بضغوطات الحياة، ومن بينها: المأزق المالي، والعاطفي، والخيبة، والوحدة، والإدمان، واليأس. وهو يتصل أيضاً بفكرة ملعونة تتسرب لوعي المُنتحر، وتحتل فكره بأن الموت وحده الحلّ والمخرَج لما هو فيه!

«النيابة العامة» الكويتية، كشفت أن قضايا الانتحار والشروع فيه بلغت 136 قضية خلال عام 2022، وأن نسبة الذكور فاقت الإناث إذ بلغت %61.7، ووصلت إلى %38.3 للإناث، وأن المتزوجين في صدارة القضايا بنسبة بلغت %50.6 بينما بلغت نسبة العزاب %39.9 والمطلقين %8.2 والأرامل %1.3.

توقّفت كثيراً عند الإحصاءات، ودار ببالي لماذا الرجال أكثر انتحاراً من النساء؟! مع أننا والعالم نعيش مجتمعات رجولية، وأنه يحق للرجل أن يفعل الكثير والكثير من الأمور التي لا تستطيع الفتاة أو المرأة الإقدام عليها؟! واستوقفني أيضاً لماذا جاءت نسبة المتزوجين في الصدارة %50.6، فهل هي ضغوط الحياة الزوجية بمسؤولياتها الجديدة؟ أم صعوبة الانسجام العاطفي مع الآخر؟ أم إحساس بعض الرجال بعجزهم عن تأمين متطلبات أسرهم وأطفالهم؟ أم إن الزواج، في زمن العلاقات «السائلة» والعابرة بات طارداً من الدنيا لدرجة الانتحار؟

الكويت تُصنّف ضمن الدول الغنية والمستقرة والآمنة، فلماذا يفكر مواطن أو مقيم بالانتحار؟ جريدة القبس بتاريخ 22 أغسطس 2022، نشرت دراسة «الديوان الوطني لحقوق الإنسان»، التي «حذرت من انتشار السلوك الانتحاري، داعية إلى ضرورة احتواء المواطنين والمقيمين الكبار منهم والصغار، ولا سيما الذين لديهم دوافع يمكن أن تدعوهم إلى الإقدام على الانتحار، للتخلص من الصعوبات التي تواجههم في حياتهم». وأوضحت الدراسة أن ارتفاع نسبة الرجال المنتحرين قد تعود إلى أن الذكور يكونون في الغالب معيلين لأسرهم وأقاربهم ومسؤولين عن الحياة العائلية، خاصة في الجوانب المادية وتوفير سبل العيش الكريم. وأن اختصاصيين نفسيين واجتماعيين شددّوا على أن تعاطي المخدرات والتفكك الأسري والضغوط الحياتية من أبرز أسباب الانتحار.

المؤكد أن حياة أي إنسان لا تخلو من صعوبات ومشاكل. لكن ما تراها الهموم الساحقة التي تضغط على حياة ووعي الإنسان وفكره حتى تسير به نحو الانتحار؟ خاصة بين فئة الشباب، التي تُعد أمل ورهان أي مجتمع من المجتمعات. واضح تماماً حاجة المجتمع الكويتي، لأن تنبري جهة ما، حكومية أو أهلية، للقيام بدراسة علمية موسّعة وعميقة تقف من خلالها على أسباب إقدام فئة من الشباب على الانتحار، ومن بينهم شباب «البدون»، والعمالة الأجنبية المنزلية الوافدة. وما الضغوط التي يتعرض لها الشاب لدرجة تدفعه للانتحار؟ وهل هي بسبب التفكك الأسري؟ أو انتشار المخدرات؟ أو الناحية المادية، بالوفرة المفرطة أو الفقر المدقع؟ وهل انتظار الشاب أو الشابة المضني للتوظيف يُعدّ سبباً حاضراً للانتحار؟ أم أن هناك حيوات خفية ظالمة لا تظهر على سطح الحياة اليومية في المجتمع الكويتي، وتدفع ببعض الشباب إلى الانتحار؟

لماذا ينتحر شاب؟ سؤال مخيف سيبقى حاضراً، إلى أن تأتي إجابات تُساعد على صدّه، وحلّ المعضلات التي تواجه مَن يفكّر بالانتحار.