بالنسبة للسؤال الأول الذي ذكرت، نعم هناك فورق بين التربية والتعليم من أمثلة ذلك: أن التعليم يهدف إلى نقل وشرح المعرفة والعلوم والمهارات العامة من قبل المعلم إلى الطلاب. بينما التربية هي صقل وتطوير للقيم والمبادئ والسلوكيات. والتعليم يتناول مواضيع علمية وتقنية محددة بمناهج متنوعة، وأما التربية، فتشمل العوامل الاجتماعية والثقافية والأخلاقية والايدلوجية. وإذا نظرنا إليهما من ناحية الوسائل، فالتربية هي أنماط تفاعلية وشخصية وقيمية. وأما التعليم، فهو يعتمد على الدروس والمناهج والتقنيات. ويضاف إلى كل ما سبق، أن التعليم عموما يحدث في زمان ومكان محددين، وأما التربية، فهي عملية مستمرة ومتواصلة لا يحدها بُعدٌ زماني ولا مكاني.وأما الجواب على السؤال الثاني، فإن المتأمل للواقع يجد أنه لا يكن فصل التعليم عن التربية البته! لأنهما متداخلان ومتفاعلان مع بعضهما البعض. ويمكننا أن نستدل بما رُوي عن الفقيه والعلامة عبد الله بن وهب أنه قال: «صاحبت الإمام مالك عشرين عاما، تعلّمت منه العلم في عام، وتعلّمت الأدب في تسعة عشرة سنة، و يا ليتها كانت كلّها في الأدب». وأكاد أجزم أنه إذا كان الأدب وحُسن الخلق جسد التربية، فرأسه "الحياء"؟! وقد جاء في الحديث النبوي: «الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ»، وجاء في الحديث الآخر: «إنَّ ممَّا أدرك النَّاسُ من كلامِ النُّبوَّةِ الأولَى: إذا لم تستحْيِ فاصنَعْ ما شئتَ».وتأكيدا على ما سبق، فأن بعضا من المشاهدات التي أدركناها وعايشنها من أستاذة ومربون أفاضل كان النصح والتوجيه هو جزء هام من عملية التربية والتعليم، وذلك من ضمن الإطار المجمل للأدب والأخلاقيات العامة في المدرسة. أضف إلى ذلك، أنهم كانوا يحثوننا على المحافظة على الأركان الأساسية في الدين والأخلاق لأن التريبة والتعليم يمشيان جنبا إلى جنب. والذي عاصرناه كذلك أن بعضا من المدرسين كانوا قدوة قولية وفعلية، ولهم في زمننا الكثير من الوقار والهيبة والاحترام.
ولعلي أذكر المدرسين والمدرسات "وذكرى تنفع المؤمنين" أن الطلاب والطالبات يراقبون أفعالهم وسلوكياتهم أكثر من أقوالهم خصوصا في المرحلة الابتدائية والمتوسطة . وصدق أبو العلاء المعرّي حين قال: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه. وتأثير المعلم يكاد لا يقل أبدا عن تأثير الوالدين. ولذلك نقولها مرة أخرى حتى ترسخ الفكرة، أنه لا يمكن فصل التربية عن التعليم، ولو فصلناهما عن بعضهما البعض لانكشف لنا من العلم وجهه القبيح والعنيف واللاأخلاقي!
ولابد أن أعود فأؤكد على أنه حتى في المراحل المتقدمة من التعليم كالجامعي مثلا، لا يزال تأثير أساتذة الجامعات ملاحظ ومشاهد وملموس على الطلاب من خلال شخصياتهم وسلوكياتهم لا من خلال عِلمهم فقط! المدرسة والجامعة هما جزء لا يتجزأ من المؤثرات التربوية الواضحة في جميع مراحله التعليمية.
وبناءً على ما أسلفنا، اقترح من هذا المنبر تغيير مسمى (اليوم الدولي للتعليم) إلى (اليوم الدولي للتربية والتعليم). وباختصار أقول لكم، التربية ثم التربية ثم التربية، وبعدها يأتي التعليم.
- آخر تحديث :
التعليقات