استمعت إلى أحد المهتمين بالتراث الشعبي في واحدة من إذاعات الجنوب التونسي يجزم بأن "الليالي السود" دخلت في الخامس من يناير، بدل موعدها السنوي المعروف وهو 14 يناير، واعتمد في تأكيد ذلك، على شيخ حكيم عارف بخبايا الطبيعة وتقلبات الأيام والفصول أخبره نقلا عن أحد الرعاة في الصحراء، أن قطيع الأغنام لم يسارع يوم السبت الخامس من يناير إلى حظيرته مع غروب الشمس، عكس الأيام السابقة، وهو ما يعني أن تغيرا حصل في الطقس.
وفق التقويم الزراعي المعتمد في المنطقة المغاربية والمنبثق عن التراث الأمازيغي والأساطير التي عرفها سكان الإقليم القدامى، نحن في هذا اليوم 14 يناير، ندشن أول أيام شهر "أي النار"، وفي مفتتح "الليالي السود" التي تنطلق بالتزامن مع بداية السنة الأمازيغية الجديدة، وميزتها دفء الليل وبرد النهار، وهي تدوم 20 يوما كسابقتها "الليالي البيض" التي تبدأ في 25 ديسمبر من كل عام وتمتاز بدفء النهار وصقيع الليل.
وفي الثالث من فبراير، تبدأ فترة "العزارة" المعروفة بطقسها المتقلّب والتي تدوم 11 يوما، لينتهي بنهايتها "أي النار"، ويدخل شهر "فورار" ومعه "قرّة العنز" التي يعبّر اسمها عن قسوة قرّها أي بردها، وربطه بالعنز أي أنثى الماعز، وتقول الأسطورة إن العنز المعروفة بتأثرها البالغ بالصقيع خرجت ترقص فرحا بخروج "أي النار" وهي تهتف "أي النار أي النار، لا تغرّد فيه الأطيار، ولا جار يطل على الجار"، فرد عليها "أي النار" غاضبا "نتسلف يوم من فورار. نخلي قرونك يلعبوا بيها الصغار في ساحة الدوار" بمعنى أنه سيستلف يوما من الشهر الذي يليه لينشر فيه صقيعه حتى ينتقم منها بأن يجعل الأطفال يعبثون بقرونها بعد أن تكون قد عجزت عن الحركة من شدة البرد.
بعد قرة العنز، تأتي أيام نزول جمرة الهواء ومدتها سبعة أيام، ويتجه فيها الطقس تدريجيا نحو الدفء ثم جمرة الماء التي يبدأ فيها سريان الدفء في مياه الآبار والأنهار والبحار، ليكون الموعد بعد ذلك مع "الحسوم" ومدتها ثمانية أيام وهي معروفة برياحها اللواقح وتفتّح الأزهار، وينتهي نصفها الأول مع بداية شهر مارس بالتقويم الزراعي الذي يقابل 14 مارس بالتقويم الغربي. وقد قال الأولون “بعد الحسوم بأربعين يوم نحّي كساك وعوم" أي يمكن للمرء أن يتجه للبحر للسباحة بعد فوات 40 يوميا.
الثابت والمؤكد أن الشيخ الحكيم أخطأ في حساباته عندما اعتمد على ما نقله الراعي، وذلك لأسباب عدة أهمها أن ظاهرة التغير المناخي أثرت على الحياة بشكل عام، وأحدثت اضطرابا في أحوال الطقس وحتى في التقويم الزراعي الذي توارثه السكان المحليون أبا عن جد منذ الآلاف من السنين، والذي كان دليلا على صحة إيقاع الطبيعة وحساباتها قبل أن يشهد بدوره ارتباكا جعل "الليالي السود" تسبق موعدها عن غير قصد.
التعليقات