النهج الحضاري لمملكة البحرين أي لهذه الدولة المدنية التي تدرك واقعها وتنمي من إمكانياتها المادية والمعنوية، يتمثل في الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان، وهذه عناوين ثابتة منصوص عليها في دستور مملكة البحرين يتفرع منها على الصعيد العملي ما تنفذه الحكومة من برامج ومشاريع هي في جوهرها مسؤوليات كُلفت بها وزارات بعينها. ومن أبرز العناوين الرئيسة المتفرعة عما نطلق عليه النهج الحضاري نذكر: مكافحةَ التطرف وترسيخَ قيم التسامح والسلام ومكافحةَ الفساد. ولو لاحظت قارئي الكريم فإن هذه العناوين تشكل ملفات ضخمة كانت وما تزال محل عناية موصولة من الدولة، ورمزًا من رموز فلسفة الحكم الرشيد التي التزمت بها قيادة البلاد ضمانًا لمناخ اجتماعي وسياسي سليم يضمن للدولة مناعتها من الداخل وتكريسًا لمبادئ الشفافية والنزاهة.

هذه العناوين تحتاج منا في كل مرة إلى وقفات تقويم وتحليل وإعلان وإعلام خاصة وأننا قد ابتُلينا بجماعات تتخذ من الخارج مقرًا لها ولا نعرف عنها سوى رفع يافطات التشكيك في كل عمل حكومي. هؤلاء يجدون- مع الأسف - من يستمع لهم في بعض المؤسسات ذات الصفة الدولية لكتابة التقارير الدورية، ولا شك أن مواجهة ذلك تتطلب عملاً حكوميًا وشعبيًا يجلي اللبس والتدليس اللذين تنطوي عليهما تلك التقارير ويوقف الزيف الذي تتبناه تلك التقارير.

العناوين الثابتة في النهج الحضاري للمملكة والعناوين المتفرعة عنها كانت حاضرة في اجتماعات معالي وزير الداخلية المكثفة في جمهورية النمسا، إذ استغل الوقت ليعرض تجربة مملكة البحرين في إدارة ملفات حقوق الإنسان والقضايا المتصلة به والأمن والسلام على مستوى الأوطان والعالم. وفي لقاء معالي الوزير بوزيرة العدل الاتحادية بجمهورية النمسا، وانطلاقًا من رؤية صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، شرح معاليه ما تقوم به حكومة المملكة من أدوار محلية وإقليمية ودولية، وأكد حرص مملكة البحرين على «الاستمرار في تعزيز بيئة مواتية للتعايش السلمي وتعزيز السلام والاستقرار الإقليمي». لافتًا معاليه الانتباه إلى «المبادرات الملكية السامية في مجال حقوق الإنسان ومن بينها ما تحقق في مشروع العقوبات البديلة وبرنامج السجون المفتوحة». وقد أشاد معالي الوزير بالدعم المستمر الذي تقدمه الحكومة الموقرة برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لتنفيذ المشاريع الإصلاحية؛ ليؤكد بذلك سعي البحرين الدائم إلى تطوير منظوماتها التشريعية والحقوقية بما يضمن محاصرة الجريمة وترسيخ قيم الأمن والأمان والتعايش والتسامح التي عُرف بها شعب البحرين منذ آلاف السنين.

وفي سياق تبادل الخبرات والرؤى فيما يتعلق بالسجون والعدالة الجنائية، استمع الوفد الأمني البحريني برئاسة معالي الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة إلى تجربة النمسا في مجال المؤسسات العقابة والبرامج الإصلاحية، وتم الاتفاق على تبادل الخبرات في هذا المجال وتوثيق العلاقات بين البلدين الصديقين في مجال العدالة الجنائية وإنفاذ القانون وبرامج الإصلاح والتأهيل من أجل إعادة إدماج المحكومين في المجتمع ومواجهة التحديات المشتركة وما تتطلبه من تعزيز التعاون والنتسيق لمواجهتها والتعامل معها بكفاءة وفعالية.

كما كان لمعالي الوزير الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة لقاءات أخرى في النمسا لا تقل أهمية عن لقائه مع وزيرة العدل الاتحادية بجمهورية النمسا، إذ التقى مع الأمين العام لمنظمة الأمن الأوروبي، وقد أطلعه على ما تنعم به مملكة البحرين من أمن واستقرار من خلال انخفاض قياسي في المعدل العام للجريمة في ظل ما تم اتخاذه من تدابير قائمة على الشراكة المجتمعية. وقد استعرض معاليه مع الأمين العام لمنظمة الأمن الأوروبي، السبل الكفيلة بتبادل الخبرات والمعلومات واتخاذ التدابير الفعالة للتصدي لمختلف التهديدات الأمنية، في إطار العمل على ترسيخ الاستقرار الإقليمي وحماية الأمن والسلم الدوليين، مشيرًا إلى أنه من بين التحديات الأمنية، مكافحة الجريمة المنظمة ومحاصرتها، والتصدي للهجمات السيبرانية التي أضحت الشكل الإجرامي الأحدث والأكثر تعقدا، وربما الأكثر خطورة في عالمنا المعاصر.

والتقى معالي الوزير كذلك بالمدير التنفيذي للأكاديمية الدولية لمكافحة الفساد، وأعرب له عن الشكر والتقدير للأكاديمية لما تبذله من جهود في مكافحة الفساد ولتعاونها المثمر مع مملكة البحرين خاصة من خلال إتاحتها الفرصة لعدد من البحرينيين للدراسة فيها. كما تم بحث السبل لتعزيز الخبرات والقدرات وتطوير آليات مكافحة الفساد وترسيخ قيم الشفافية والنزاهة.

حقًا إن هذه اللقاءات المثمرة تجعلنا على يقين بأن ما تقوم به وزارة الداخلية في مجال الحفاظ على الأمن العام ومكافحة الجريمة والفساد وحفظ حقوق الإنسان والسجناء تسير جميعها في الاتجاه الصحيح، وأن كثيرًا مما يقوله بعض من يتَسَمَّوْن «معارضة» هو تغريد من خارج السرب. فتجربة مملكة البحرين لا تختلف عن تجربة النمسا ولا عن الأمن العام في عموم دول الاتحاد الأوروبي، وقد أعطانا سرد الوزيرة النمسوية والأمين العام لمنظمة الأمن الأوروبي القناعة بأن إدارة مؤسساتنا العقابية لا تختلف عن إدارة دول الاتحاد الأوروبي. وهذا يعني أن مملكة البحرين في العهد الإصلاحي لجلالة الملك المعظم، وإدارة وزارة الداخلية لمجمل الملفات المعنية بها في هذا الخصوص تسير على الخط الصحيح.