اختتم الخميس الماضي معرض الدفاع العالمي في نسخته الثانية، الذي نظمته الهيئة العامة للصناعات العسكرية، وعلى الرغم من أن صناعة السلاح في أي بلد تعد هدفا وطنيا وليست ترفا، فإن لذلك أيضا جانبا اقتصاديا مهما، فكثير من دول العالم تثقل ميزانياتها بنود تأمين السلاح لحماية حدودها وسيادتها .. وظلت بلادنا من ضمن الدول المستوردة للسلاح من الدول الكبرى التي عرفت بتصنيع أفضل الأسلحة، وجاءت رؤية 2030 التي تعمل على تطوير جميع القطاعات ومنها صناعة السلاح، حيث حددت الرؤية توطين 50 % من المعدات والخدمات العسكرية بحلول 2030.

وهذا معناه اقتصاديا توفير 50 % من المبالغ "أو تدويرها واستثمارها محليا"، التي كانت ترصد في ميزانية توفير السلاح والخدمات العسكرية سواء لوزارة الدفاع أو الحرس الوطني أو وزارة الداخلية وفروعها، وبالفعل عكس لنا معرض الدفاع خطوات التحول الصناعي في القطاع الدفاعي التي بدأت قبل أعوام .. وأدى ذلك إلى رفع نسبة التوطين في القطاع من 4 % عام 2018 إلى نحو 14 % عام 2022 .. وقد تم هذا الإنجاز غير المسبوق بتعاون بين القطاعين العام والخاص، حيث ارتفع عدد التراخيص الصادرة للشركات العاملة في القطاع من خمسة تراخيص فقط عام 2019 إلى 265 ترخيصا عام 2023 .. ومن شأن هذه الاستثمارات توفير 40 ألف فرصة عمل مباشرة و100 ألف فرصة عمل غير مباشرة.

ولا يقتصر الأمر في الصناعات العسكرية على سد بعض الاحتياجات القائمة محليا، إنما بالإمكان تصدير بعض المنتجات وبناء قدرات صناعية جديدة تسهم في زيادة حصة الصادرات الدفاعية إلى 5 % من إجمالي الصادرات السعودية بحلول عام 2030، وفقا لمستهدفات الهيئة العامة للصناعات العسكرية التي تعمل على أن يكون التصنيع الدفاعي في السعودية أكثر ذكاء ومرونة واستدامة، ما يرفع الإنتاجية والجودة والسلامة.

وأخيرا: قلت في مقال سابق حول الموضوع نفسه، إن الدول تختار الأسلوب المناسب لها لتأمين ما تحتاج إليه من السلاح للدفاع عن نفسها، وتفضل الأغلبية شراء السلاح دون الدخول في مجالات البحث والتطوير ونقل التقنية والتجارب، وهذا القرار هو الأسهل، لكنه ليس الخيار الاستراتيجي الصحيح على المدى البعيد، أما الأسلوب الثاني فهو اتخاذ قرار توطين هذا النوع من الصناعات تدريجيا، وهذا التدرج يقودنا في كل عام إلى مزيد من الإنجازات، وفق رؤية وأهداف محددة، تجد الاهتمام والمتابعة ليس فقط في مجال الصناعات العسكرية التي نتحدث عنها اليوم، إنما في جميع المجالات، حيث نرى الأحلام يتم تحقيقها بمتابعة من عراب الرؤية، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وأختتم مقالي بالإشارة إلى الجهد الكبير الذي تقوم به الهيئة العامة للصناعات العسكرية في تنظيم معرض الدفاع العالمي بشكل يرسخ قدرة بلادنا في مجال الصناعات الدفاعية الحديثة، ما جعل المعرض يتجاوز الأعداد المستهدفة بالنسبة إلى الجهات العارضة والوفود الرسمية التي حضرت وعدد الزوار والدول المشاركة التي فاق عددها الـ100 دولة، ونتيجة لذلك بلغت قيمة العقود الاستثمارية التي تم توقيعها خلال مدة المعرض أكثر من 26 مليار دولار، وهذا نجاح كبير يستحق الشكر لكل من عمل على تحقيقه.