معروف، أن حلَّ الدولتين؛ المطلوب عربياً، ودولياً، ينصّ على تقسيم فلسطين، بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على ما نسبته 23% من كامل مساحة فلسطين، وعلى الباقي يقوم الكيان الصهيوني. ومعروف، أنه وبموجب اتفاق أوسلو الثاني، الموقّع بين القيادة الفلسطينية السابقة (قيادة عرفات) وإسرائيل يوم 28/‏ ‏9/‏ ‏1995م بواشنطن، قسمت الضفة الغربية إلى ثلاثة أقسام، أو مناطق، كالتالي:

- منطقة أ: وهي الأراضي من الضفة الغربية التي يجب أن تخضع للسلطة الفلسطينية، إدارياً وأمنياً.

- منطقة ب: وهي أراضٍ في الضفة الغربية تسيطر عليها قوات الاحتلال الإسرائيلي، أمنياً.

- منطقة ج: وهي أراضٍ في الضفة الغربية تسيطر عليها قوات الاحتلال الإسرائيلي، إدارياً وأمنياً.

وبناءً على هذا الاتفاق، تسلّمت السلطة الفلسطينية (بعد انتخابها بشقيها التشريعي والتنفيذي) ابتداءً من مايو 1994 بعض المدن الرئيسية الفلسطينية؛ وفي مقدمتها: جنين وطولكرم وقلقيلية ونابلس ورام الله وبيت لحم والخليل، وكذلك 50% من مساحة قطاع غزة (أي 165 كم2) و54 كم2 من مساحة منطقة أريحا، البالغة 354 كم2، وأصبح مجموع مساحة هذه الأراضي حتى ديسمبر سنة 1998م وهي من فئة أ، 580 كم2. وأصبح حوالى 70% من السكان (في هذه المناطق) يخضعون (إدارياً وأمنياً) للسلطة، وأمنياً على 9% فقط من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة!.

****

ونصَّ اتفاق (واي بلانتيشن) الذي وُقّع في واشنطن، يوم 23/‏‏ 10/‏ ‏1998م، على أن تصل مساحة المنطقة من فئة (أ) إلى 1055كم2، في المرحلة الأولى، بينما تصل مساحة الأراضي من فئة (ب) إلى 1264كم2. وتبقى 3480كم2 من مساحة الضفة ضمن فئة (ج)؛ أي تحت سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي الإدارية والأمنية، كما تبقى حوالى نصف مساحة غزة تحت الإدارة الفلسطينية - الإسرائيلية المشتركة.

وهكذا، نجد أنه ومن دون تنفيذ اتفاق (واي بلانتيشن)، كان يجب أن تسيطر السلطة الفلسطينية على نصف مساحة قطاع غزة، وعلى 10% من مساحة الضفة الغربية (الأراضي من فئة أ). وتحكم السلطة الفلسطينية، بالمشاركة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، 50% من مساحة قطاع غزة، و24% فقط من مساحة الضفة الغربية (فئة ب)، بينما تنفرد قوات الاحتلال الصهيونية بالسيطرة على حوالى 66% من مساحة الضفة (الأراضي من فئة ج). وستخفض النسبة الأخيرة، لتصبح 60% إن التزمت إسرائيل بتطبيق كامل بنود اتفاق (واي بلانتيشن).

****

ولكن إسرائيل لم تلتزم بمعظم ما تم الاتفاق عليه، بل أخذت تعلن أنها لن تسمح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة. وأخذت تتوسع في إقامة المستوطنات في الضفة. فالله وحده يعلم متى ستعود كامل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية، بعد هذا التمزيق؟! ومتى تعود القدس، ومتى تقوم الدولة الفلسطينية المأمولة؟! فمجرد انتقال نسبة مئوية بسيطة ومحدودة جدّاً من هذه الأراضي المحتلة من فئة ج، إلى فئة ب، ومن فئة ب إلى الفئة أ، يحتاج إلى مفاوضات مضنية، ومطولة. تنفرد فيها إسرائيل بإملاء شروطها القاسية والظالمة، على الفلسطينيين؛ بهدف الحيلولة بينهم وبين استعادة حوالى 23 فقط من وطنهم المغتصب. إن ادعاء إسرائيل بأن إنهاء الاحتلال يتطلب عدم الانسحاب الكامل، من الضفة والقطاع وكذلك الجولان، وعدم السماح بقيام الدولة الفلسطينية، هو محض مغالطة مرفوضة، من قبل المنصفين والشرفاء.

وبعد، لن تقبل إسرائيل الحل العادل والشامل المنشود، والسلوك الإسرائيلي (العدواني) المتواصل، على مدار عقود، لا يبرر عمليات تطبيع العلاقات بين بعض العرب وإسرائيل! ولقد ثبت، حتى الآن، أنه كلما تقرّب بعض العرب لإسرائيل، كلما زادت الأخيرة تعنتاً، وصلفاً. هناك أسئلة كثيرة حيرى، مازال يطرحها المعنيون، خاصة على المتصهينين العرب، وفي ظل عمليات التوسع الاستيطاني الإسرائيل المتزايد في الأراضي المعنية، وظل حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في منطقة غزة، وغيرها.

****

تذكرنا هذه الاحداث، وما يحيط بها من حيثيات، ضمن ما تذكرنا به، بفترة الستينيات، عندما كان الرفض العربي للكيان الصهيوني، في ذروته، وانعكس ذلك في الفن العربي الراقي، عندئذ، وتجسّد في عدة أعمال فنية رائعة؛ منها: قصيدة (فلسطين) للشاعر الشهير علي محمود طه؛ التي تعبّر كل كلمة فيها عن موقف الشعوب العربية، تجاه هذه النكبة، وتجسد مشاعر معظم العرب نحو هذا العدوان؛ الذين ما زالوا يعايشونه منذ أكثر من ثمانية عقود.. قام موسيقار الأجيال (العرب) الفنان محمد عبدالوهاب، فور قيام إسرائيل عام 1948م، بتلحين وغناء هذه القصيدة الرائعة الخالدة.

أسست حكومة جمال عبدالناصر، في عام 1952م، إذاعة خاصة، تتفرغ لتغطية شؤون العالم العربي، وسميت بـ(صوت العرب). ومن ضمن أهدافها: «الدعوة إلى التضامن العربي نضالياً، من أجل استقلال الكل، بما في ذلك فلسطين». وبدأ إرسال هذه الإذاعة يوم 4 يوليو 1953م، من القاهرة. بدأت ببث نشيد «أمجاد يا عرب، أمجاد، في بلادنا كرام أسياد»، ثم كلمة لرئيس مجلس قيادة الثورة المصرية، آنئذ، اللواء محمد نجيب، ثم كلمة لأمين عام الجامعة العربية في ذلك الوقت، تلا ذلك حوار مع الفنان محمد عبدالوهاب حول دور الأغنية، والفن بعامة، في خدمة القضايا العربية، مع تقديم نماذج من أعماله. وقدم -محقاً- أغنية (فلسطين)، أخي جاوز الظالمون المدى، كنموذج، أو مثال، لدور الفن، وتأثيره، في مقاومة الاحتلال. منذئذ، تفاقم العدوان، سنة بعد أخرى. وجد وجود من يتقبله من العرب، ولكن الغالبية العظمى منهم ازدادت رفضاً، وحبّاً في هذه القصيدة، المغناة بإبداع.

ولعل من الملائم أن نختتم حديث اليوم بترديد ما نعتقد أنه (أنسب) بيت لواقع الحال الراهن: أخي، أيها العربي الأبي، أرى اليوم موعدنا لا الغدا!