ما أجمل الكتابة عن رمضان، شهر الصوم والعبادة والتقوى، وشهر البهجة والمتعة والمحبة. الكتابة عن رمضان، رحلة أنيقة حول سماوات العروج والبهجة والألق، بل هي - أي الكتابة عن رمضان - نقش بديع على صفحات الزمن الجميل الذي نسج حكايات الدهشة والمتعة والجمال. شهر رمضان الفضيل، أيقونة الشهور وروزنامة السعادة، زائر الفرح الجميل الذي تنتظره القلوب الوالهة والأرواح العطشى، لتنهل من معينه العذب وتتزود من نفحاته العطرة.
يطل علينا شهر رمضان الكريم، كعادته في كل عام، وهو يحمل بشائر الخير وسنابل الفرح وأناشيد الطهر، بعد عام طويل من الآلام والأحزان والخيبات التي غصّت بها تفاصيله الصغيرة والكبيرة. يحل رمضان، شهر القرآن والصوم والبذل والعطاء والمحبة والألفة والتراحم والتزاور، ليُعيد بعض النقاء والصفاء والتوازن لحياتنا التي فقدت كل معاني السلام والسكينة والتسامح والتفاؤل.
بالنسبة لي، قد أكون من الأجيال المحظوظة التي شهدت شهر رمضان الكريم بكل بهجته ومتعته وروحانيته، فمازلت أتذكر جيداً كيف كانت الأسر تستعد لقدومه، وكيف كانت تستقبل أيامه ولياليه صياماً وقياماً وتلاوة للقرآن والإكثار من الدعاء والتزود بصالح الأعمال. مازلت أتذكر جيداً تلك الأهازيج الجميلة الخاصة بشهر رمضان، بدءاً بمقدمه الميمون ومروراً بليلة القرقيعان ثم ليالي القدر وتُختم بليلة العيد التي كانت أشبه بكرنفال عفوي لا مثيل له.
يُمثل شهر رمضان الفضيل لمن هم من جيلي أو الأجيال السابقة، وقفة صادقة ومراجعة شفافة مع النفس، لمحاسبتها على كل تقصير سواء في حق الله عز وجل أو في حق الناس، وفرصة سانحة للقاء الأهل والأصحاب بعد أن فرقتنا ظروف الحياة بكل متاعبها ومشاغلها.
ولم يكن شهر رمضان الذي أعرفه جيداً مقتصراً على ملامح ومظاهر العبادة والصوم والدعاء والاستغفار، رغم أهمية وقيمة وضرورة كل ذلك، ولكنه كان أيضاً مساحة واسعة من التسامح والانفتاح والعفوية وفرصة ذهبية لممارسة البهجة والمتعة والفرح. في سماء رمضان الزمن الجميل، كانت تتناغم أصوات الذكر الحكيم الذي يصدح من كل البيوت والمساجد مع عبارات الاستغفار والتوبة والرحمة التي تنساب بعذوبة من الأدعية الرمضانية الجميلة، تماماً مع قصص الخيال والبطولة والأسطورة التي تشاهدها في عيون المستمعين العاشقين لهذه العادة الرمضانية الأثيرة. الأصوات المنبعثة من كل الأنحاء تصنع حفلة باذخة من الفرح والمتعة والبهجة.
هذا هو شهر رمضان الذي يحمل ذاكرة الزمن الجميل الذي نتوق له كلما قدم رمضان جديد. نعم، فرمضان هذا العصر، بل كل العصور، هو ذلك الشهر الجميل الذي يُعتبر زينة الشهور وعنوان السرور. شهر رمضان بكل ما يحمله من مظاهر العبادة والدعاء والصلاة وبكل ما يكتنزه من تباشير البهجة والمتعة والسعادة، يتغير ويتشكل، وتلك هي طبيعة كل الأشياء الجميلة التي تعرضت لسنن التغيير وطبيعة التحديث، لكنه يبقى الموسم الجميل الذي تنتظره القلوب والعقول، ويأنس به الصغير والكبير، شهر الخير والفرح، وخيمة البهجة واللقاء.
التعليقات