بعد الفوز الذي حقّقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية لولاية خامسة من ستة أعوام، لا يسع الغرب تجاهل أنّ الرجل لا يزال الأكثر شعبية في البلاد، وأنّ العزلة الغربية التي فرضها الغرب على موسكو بعد الحرب على أوكرانيا، لم تهز شعبيته، وأنّ غالبية كبيرة من الروس لا تزال تؤمن بأنّ الغرب فعلاً لا يريد أن تكون روسيا دولة قوية، وأنّه يسعى لكسرها وإضعافها حتى تلاقي مصير الاتحاد السوفياتي.

تعزز الولاية الجديدة لبوتين أوراق القوة التي يملكها في الداخل، وتمنحه حصانة أكبر في مواجهة التحدّي الأكبر الذي تشكّله الحرب في أوكرانيا. وهذا يرتبط مباشرة بالوضع الميداني للجيش الروسي على الجبهات، في وقت تعاني فيه أوكرانيا من نقص فادح في الذخائر، انعكس على سلسلة من التراجعات على جبهة دونيتسك وزابوريجيا، على رغم أنّ كييف حاولت عبر الضربات التي وجّهتها بالمسيّرات في الأسابيع الأخيرة أن تُلحق أضراراً مهمّة بمصافي النفط الروسية بما فيها تلك الموجودة في العمق. كما دفعت أوكرانيا بمسلحين يقولون إنّهم ينتمون إلى فصائل روسية معارضة، للتوغل في بلدات حدودية روسية في الأيام الأخيرة.

الخطوات الأوكرانية، تأتي تعويضاً تكتيكياً لوضع غير مريح على الجبهات، ووسط مخاوف من استغلال روسيا النقص الكبير في الذخائر لدى أوكرانيا والناجم عن خلافات سياسية في مجلس النواب الأميركي، وعن عدم قدرة أوروبا على تعويض هذا النقص.

وسيترجم بوتين ولايته الجديدة في ترسيخ الشراكة الاستراتيجية مع الصين، التي هي مصدر قلق غربي. وفي خطوة مفعمة بالدلالات، سيقوم بوتين بزيارة لبكين في أيار (مايو) المقبل في أول رحلة خارجية له بعد انتخابه. والصين كانت السوق البديل لمصادر الطاقة الروسية بعد الحظر الأوروبي على النفط والغاز الروسيين. وكان هذا سبباً مباشراً في الحفاظ على متانة الاقتصاد الروسي على الرغم من العقوبات الغربية الساحقة.

ومعلومٌ أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن كان يعلّق آمالاً كبيرة على أن تؤدي العقوبات غير المسبوقة إلى إنهاك الاقتصاد الروسي وجعله عاجزاً عن تلبية متطلبات الحرب في أوكرانيا. بيد أنّ التوقعات الأميركية لم تُصب هذه المرّة.

وفي مواجهة مأزق تجميد المساعدات الأميركية بفعل معارضة الرئيس السابق دونالد ترامب إرسال المزيد من أموال دافعي الضرائب إلى أوكرانيا، وتفضيله إنفاق هذه الأموال على تحصين الحدود الأميركية مع المكسيك، علاوةً على معارضته استراتيجية بايدن القائمة على تقديم الدعم لكييف "طالما استلزم الأمر"، والدعوة بدلاً من ذلك إلى حل سياسي للنزاع.

الحل الذي يقترحه قادة الاتحاد الأوروبي للتغلّب على مأزق تجميد المساعدات الأميركية، هو الذهاب إلى شراء أسلحة لأوكرانيا من مصادر مختلفة في العالم، بواسطة فوائد الأصول الروسية المجمّدة في البنوك الغربية، رغم المخاطر التي تنطوي عليها هذه الخطوة من مخالفات قانونية، وتهديد موسكو رداً عليها بمصادرة أصول أوروبية على الأراضي الروسية.

ثم هناك التباين في وجهات النظر بين القادة الأوروبيين حيال المقاربة الواجب اتباعها حيال النزاع الأوكراني، بين حماس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإرسال قوات فرنسية وأطلسية إلى أوكرانيا، إذا كان هذا هو السبيل الوحيد لإلحاق الهزيمة بروسيا، ومعارضة المستشار الألماني أولاف شولتس الشرسة لمثل هذه الخطوة.

أضف إلى ذلك، تراجع تأييد الرأي العام الأوروبي لحسم عسكري للنزاع، وتفضيل الغالبية البحث عن حل ديبلوماسي.

وهناك معطى مهم ستفرزه الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. إذا بقي بايدن لولاية ثانية، فإنّ الحرب مرشحة لأن تطول، بينما عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تحمل معها تغييراً جوهرياً في السياسة الأميركية، يدفع في اتجاه البحث عن حل سلمي.