ما الذي ستتمخّض عنه الانتخابات الرئاسية الجزائرية المبكرة التي أعلن الرئيس عبد المجيد تبون عن موعدها الجديد في أيلول (سبتمبر) المقبل؟ وهل يعني هذا الإعلان أنّ هذه الانتخابات ستجري برضا صقور النظام الجزائري الحاكم وفي المقدمة وزارة الدفاع وأجهزة الأمن؟ أم أننا سوف نشهد تباين المواقف خلال الشروع في ترشيح الأسماء التي ستخوض هذه الانتخابات؟ علماً أنّ الشخصيات الوطنية وأحزاب المعارضة لم تفصح بعد عن موقفها أو عن مشاركتها حتى في هذا الاستحقاق.
في هذا السياق، نجد الشارع الجزائري يتساءل: متى كان للشخصيات الوطنية المدنية وللمعارضة رأي مسموع ومعمول به لدى السلطات الحاكمة، وفي المشهد السياسي الجزائري بشكل عام، منذ الاستقلال إلى يومنا هذا؟
انطلاقاً من هذا التساؤل، يرى المراقبون السياسيون الجزائريون المحايدون، أنّ عمليات التجريد التدريجي لأحزاب المعارضة الجزائرية الداخلية من أسباب تأثيرها في المجتمع المدني، سوف ينعكس سلباً على مسار ونتائج الانتخابات المبكرة. وفي الحقيقة، فإنّ هذه الأحزاب مسؤولة جزئياً عن تراجع سمعتها بين أوساط الشعب الجزائري، جراء دورانها المتكرّر حول قضايا لا تهمّ المواطنين، مثل صراعاتها الداخلية التي تغذيها النرجسية حيناً ويشعلها السباق إلى المناصب ضمن التراتبيات داخل هذا الحزب أو ذاك حيناً آخر.
ويُلاحظ أنّ هذين العاملين السلبيين ما فتئا يسفران عن تصدّع الوحدة التنظيمية والعقائدية لهذه الأحزاب، فضلاً عن ظاهرة ملّ منها المواطنون، وتتمثل في دخول هذه الشخصية المعارضة أو ذلك الحزب المعارض في لعبة التحالف مع الأجهزة التي تحكم البلاد.
بناءً على هذه الخلفية، فإنّ إعلان الرئيس تبون عن موعد الانتخابات المبكرة في شهر أيلول (سبتمبر) المقبل لم يعقبه أو يتخلّله أي نقاش جاد بين النخب السياسية والفكرية والإعلامية، ضمن مشهد سوق السياسة الجزائرية، حول الأسباب الحقيقية المضمرة التي دفعت الرئيس تبون إلى التعجيل بهذا الإجراء، بخاصة في الوقت الذي كان أكّد فيه شخصياً بأنّه لم ينجز كل ما ورد في برنامجه الذي انتُخب على أساسه في عام 2019.
ويلاحظ المراقبون الجزائريون للشأن السياسي والاجتماعي، أنّ مثل هذا النقاش المرغوب فيه شعبياً ومجتمعياً ومدنياً منظّماً، مستبعد لأنّ إخفاقات الحراك الشعبي واختلاط أوراق الأحزاب قد لعبت ولا تزال دوراً مفصلياً في سقوط وهم دولة الحوار الفكري السياسي المتمدن في المجتمع الجزائري بصفة عامة.
وبسبب هذا الوضع أصبح المواطنون في الجزائر العميقة زاهدين عن كل ما له علاقة بالسياسة والسياسيين، ويرجع السبب في ذلك إلى عوامل عدة أخرى أيضاً، يأتي في صدارتها عدم ثقتهم بممتهني اللعبة السياسية من جهة، وإلى خيبتهم النمطية من وعود المسؤولين المتكرّرة في توفير العيش الكريم لهم، وفي تجاوز أزمات البطالة، وغلاء المعيشة، واستعصاء حلّ مشكلة السكن، إلى تحقيق أدنى الشروط المادية والرمزية التي تمكّن البلاد من الانتقال بسلاسة، وفي مناخ ديموقراطي تعددي، من طور الانتخابات المحسومة قبل أن تبدأ، إلى طور الانتخابات التي تضمن الشراكة الحقيقية بين تنوّع مشارب الفاعلين السياسيين في إدارة الحكم والإشراف على التسيير العصري لشؤون الرعية، وجعل البرلمان بغرفتيه السفلى والعليا الجهة التي تقرّر فعلياً تعيين الوزير الأول والوزراء معاً، ومحاسبة وتقويم هؤلاء جميعاً بما في ذلك رئيس الجمهورية.
في هذا السياق، ينبغي التذكير بأنّ معظم الرؤساء الجزائريين الذين حكموا البلاد حتى يومنا هذا لم يصلوا إلى سدّة الرئاسة بواسطة انتخابات شعبية فقط، باعتبارها المعيار الأوحد وبعيداً من تدخّل الأجهزة والقوى التي تملك القوة المادية.
الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، على سبيل المثال، كان من صنع أجهزة الأمن، وهي التي أوصلته إلى قصر المرادية ثم هي التي أقالته في جو من الإحباط واليأس، وكذلك كان وضع الرئيس الشاذلي بن جديد المُقال بطريقة درامية مثيرة للسخرية، ومحمد بوضياف المغتال، واليمين زروال الذي تخلّى بإرادته ولكن أُمر بأن يبقى شكلياً في منصب الرئيس لحين إيجاد بديل له ورضخ لذلك طبعاً، وجرّاء تلك المعاملة رفض مراراً العودة إلى قصر المرادية عندما حاولت جهات معروفة في السلطة الاستنجاد به عندما سقطت شرعية بوتفليقة سقوطاً مدوياً، وكادت البلاد أن تدخل جراء ذلك في نفق الصراع العنيف على الحكم مرَّة أخرى.
أما الرؤساء الموقتون الذين حكموا لفترة انتقالية، وآخرهم الراحل عبد القادر بن صالح الذي لم يكن مؤهلاً بسبب عدم امتلاكه قاعدة شعبية وخبرة في أدارة الدولة، فهم كانوا مجرد دمى حُرّكت حينذاك من وراء الستار، أي أنّهم كانوا بمثابة "خضر فوق العشاء" كما يردّد المثل الشعبي الجزائري.
ويبدو واضحاً أنّ وكالة الأنباء الجزائرية، والتي تُعتبر الناطق الرسمي الحقيقي باسم الأجهزة الحاكمة في الجزائر، قد قدّمت مجموعة من المبررات التي دفعت بالسلطات الجزائرية في أعلى هرم الدولة إلى التعجيل بالانتخابات الرئاسية، وفي هذا الخصوص نقلت كل وسائل الاعلام الجزائرية هذه المبررات التي أجمعت أنّ البلاد ستخوض الاتنخابات في جو ملائم، لأنّ "إعلان الرئيس تبون هو الإشارة الرسمية للخروج من الأزمة"، وأنّ الجزائر "ليست في أزمة أو في حالة طوارئ، بل استعادت استقرارها وتوازن مؤسساتها مع استرجاع مسار صنع القرار لديها".
إلى جانب هذه المبررات المذكورة آنفاً، فقد نشرت الوكالة ذاتها حزمة أخرى من المسوغات، في محاولة منها لإقناع المواطنين بضرورة قبول قرار خوض انتخابات رئاسية مبكرة، وهي كما يلي: "المغزى هو العودة الدائمة إلى الشعب"، أما المغزى الآخر "فيتمثل من دون أدنى شك في الحسابات الجيوسياسية، فقمة الغاز الأخيرة وتسيير النزاعات والتحولات الجيو-ستراتيجية والأمنية في المنطقة، قد أنضجت بالفعل هذه الفكرة"، والمغزى الأخير "إنّه يكمن في الهدوء الذي يميّز الرئيس".
في ضوء كل هذه المبررات والمسوغات يبدو واضحاً أنّ الانتخابات الرئاسية المقبلة قد حُسمت مبكراً أيضاً.
التعليقات