من دون مغالاة ولا تقليل من شأن قرار مجلس الأمن بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، ثمة ما ينبغي التوقف عنده، لجهة إمكانية تنفيذ القرار أولاً، وثانياً معرفة حدود القوة التي تختبر فيها رسالة الامتناع الأمريكية عن التصويت، قدرة إسرائيل على التمرد أو التساوق مع سياسات البيت الأبيض.
وكما هو معروف، لم يسبق لإسرائيل أن نفذت، منذ إنشائها، قراراً واحداً من عشرات القرارات الدولية التي صدرت حول القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي. والأسوأ أنه فور صدور القرار حاولت الإدارة الأمريكية التقليل من شأنه باعتباره «غير ملزم»، وكأن قرارات مجلس الأمن لا تكون ملزمة إلا إذا صدرت تحت «الفصل السابع»، وهي مسألة ليست صحيحة من وجهة نظر الخبراء والقانونيين الذين يؤكدون أن قرارات مجلس الأمن ملزمة، وهذا القرار، وفق الصيغة التي صدر بها، ملزم لكنه يحتاج إلى آلية وإرادة التنفيذ.
لكن بعيداً عن الجدل القانوني، وعدم التعويل على إمكانية تنفيذه، حيث جاء الرفض الإسرائيلي على الفور، كما هو متوقع، إلا أن مجرد صدور القرار الذي حمل الرقم 2728، أثار غضباً إسرائيلياً كبيراً، ليس فقط لأنه كسر قاعدة الحمائية الأمريكية لإسرائيل والتغطية السياسية لها في المحافل الدولية، وإنما لأنه جاء في ذروة الضغط الدولي لوقف الحرب، ومنع اجتياح رفح، وفي لحظة بدت فيها إسرائيل معزولة عالمياً، وفي أشد الحاجة للدعم والحماية الأمريكية. وبالتالي يبدو أن الامتناع عن التصويت حمل رسالة من شقين، الأول موجه للداخل الأمريكي بهدف تخفيف الضغوط التي تمارس على الإدارة شعبياً وحزبياً، والتي بدأت تشكل تهديداً جدياً لفرص عودة بايدن إلى سدة البيت الأبيض. والثاني أنها تمثل ترجمة عملية خجولة، أي من الدرجة الثانية أو الثالثة، لما يمكن أن تستخدمه الإدارة الأمريكية من أوراق قوة على خلفية الخلاف المتصاعد والعلني مع حكومة نتنياهو المتطرفة، حول إدارة الحرب في غزة و«اليوم التالي» وانعكاس ذلك على المصالح الأمريكية في المنطقة.
وما يعزز ذلك أن واشنطن لم تلجأ لخطوات أشد تأثيراً، من نوع وقف إمداد إسرائيل بالسلاح والذخيرة وما شابه، بل سارعت إلى تأكيد ثبات موقفها وعدم وجود تحول في السياسة الأمريكية، لكنها أيضاً حاولت إفهام إسرائيل بأن «هذه سياستنا» أي «قرارنا السيادي» وفق ما عبر جون كيربي. لكن إسرائيل بدورها لجأت لاختبار القوة، إذ إنها ألغت على الفور إرسال وفد إلى واشنطن لمناقشة خطط اجتياح رفح، ما يعني أنها مستمرة وفق رؤيتها للحرب، وإظهار إدارة بايدن بالتخلي عنها في لحظة مصيرية، الأمر الذي يصبّ لصالح الجمهوريين في نهاية المطاف. بمعنى أن بايدن الذي أظهرته الحرب الإسرائيلية على غزة كأضعف رئيس أمريكي في تاريخ الولايات المتحدة، بات أيضاً أمام اختبار فرض قدرته على تنفيذ القرار من عدمه.
التعليقات