أشهر اليوميات هي تلك التي يكتبها القادة العسكريون، أو الزعماء، أو المبعوثون الدوليون، الذين يكلفون بمهام في المناطق الساخنة. ذات مرة سألت صحفية عربية الأخضر الإبراهيمي، المبعوث الدولي والعربي الذي كُلّف بمهام دبلوماسية شاقة في أكثر من بلد، ما إذا كان ينوي كتابة مذكراته، فأجاب بنعم، وأضاف على سبيل المداعبة: إن لم يدركني الموت.
هذه اليوميات، أو المذكرات مهمة لأنها تُوثق لحظات التاريخ المتوترة. تلتقط الحدث، أو تقتنصه في لحظة حدوثه، وغالباً ما يكون كتّابها شركاء في صنعه، وبالتالي، فإنهم يُقدّمون شهادة حيّة، من داخل المطابخ، أو غرف العمليات التي طبخت فيها القرارات التي تصنع الحدث، أو تردّ على حدث جرى.
يلاحظ كذلك أن بعض الكتّاب والأدباء يسجلون يومياتهم خلال زياراتهم، أو جولاتهم في بلدان غير بلدانهم. يحدث ذلك لأن تغيير المكان تنجم عنه مشاهدات غير تلك التي ألفوها في المكان الذي يعيشون فيه. ثمّة ما هو غير مألوف، أو غير معتاد، في تفاصيل المكان الجديد الذي تطأه قدماك.
بعض هذه اليوميات التي هي في النهاية ليست أكثر من تسجيل لمشاهدات، أو انطباعات عن الأمكنة والناس، ترتقي لمستوى أن تكون أعمالاً إبداعية، ولهذا السبب، على ما يبدو، نشأ ذلك النوع من الأدب الذي يسمى أدب الرحلات الذي يعكس قدرة الكاتب على وصف ما يرى، وتقديم انطباعاته لمن يقرأ بعده ما كتب، بمتعة وتشويق.
في صلب الأدب السردي خاصة، تكمن فكرة اليوميات، رغم أنها تأتي في قالب روائي، أو قصصي يكسر مُباشرة، أو تقريرية الحدث، ولكن التفاصيل التي ينطوي عليها السرد إنما هي مستقاة من الحياة اليومية، من مشاهدات الكاتب، ومعايناته، من ذكرياته، وبالنتيجة من يومياته. ويسترعي الانتباه في بعض الروايات ذلك النزوع لتسجيل يوميات الشخوص، على نحو ما فعل الكاتب الأمريكي الجنوبي، ماريو بينيديتي، في روايته «الهدنة» التي ترجمها صالح علماني من الإسبانية إلى العربية.
الكاتب هنا لا يفعل أكثر من أن يسجل يوميات الراوي، الذي هو بطل الرواية، يوماً بيوم، وبالتوالي، من دون أن يُسقط أي يوم من أيام الأسبوع، فما أن ينتهي أسبوع حتى يلج الآخر، لكنه في النهاية لا يقدّم يوميات مبعثرة غير مترابطة، وإنما يقدم نسيجاً روائياً متسلسلاً عن حياة ثريّة لرجل في علاقاته، ومشاهداته، وتمزقاته، وأفكاره، سواء أتت هذه الأفكار بصوتٍ عالٍ، أم بصمت.
المدهش في الأمر هو بساطة التفاصيل التي يرويها، فهي تفاصيل عادية تماماً، مألوفة نحياها جميعاً كل يوم، ولكنه ينجح في أن ينشئ من العادي ما هو مدهش ولافت.
التعليقات