هناك ارتدادات مباشرة وغير مباشرة للصراع الأميركي الصيني، ومنطقتنا شئنا أم أبينا هي جزء رئيس من امتدادات الصراع الجيوسياسي، والذي يتسع أفقه يومًا بعد آخر، وكمراقب، أجدني مندفعًا للبحث عن "التقييمات الأمنية الشاملة" لكل الطرفين، لأنها تُعطينا ملامح لفهم تداعيات الأمور، كونه ينعكس على مسار بيئتنا الإقليمية.
هناك لجنة تُعرف بـ"لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأميركية الصينية"، أنشأها الكونغرس الأميركي في أكتوبر 2000، وهي مكلفة بتقديم التوصيات في مجال السياسات له عبر تقرير سنوي، حول الآثار المترتبة على الأمن القومي للعلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية بين الولايات المتحدة والصين.
في 19 أبريل 2024، عقدت هذه اللجنة ثلاث جلسات استماع حول "الصين والشرق الأوسط"، (الجلسة الأولى: الطاقة والاستثمار والمصالح)، (الجلسة الثانية: التواصل الدبلوماسي الصيني مع الشرق الأوسط يعزز الجهود المبذولة لتشكيل نظام عالمي جديد)، (الجلسة الثالثة: مصالح الصين وأنشطتها الأمنية في الشرق الأوسط)، قدم خلالها تسعة باحثين مخضرمين من مراكز دراسات وبحثية متنوعة رؤاهم -شهاداتهم- حيال ذلك.
كان من بين المقيمين، "غرانت روملي" وهو خبير أمني، قدم تقييماً للأنشطة العسكرية والتمويل والنيات الاستراتيجية لبكين في منطقة الشرق الأوسط، من بينها توصيات لمنع هذه الجهود من الإضرار بالتحالفات والمصالح الأميركية.
وحتى لا نخرج عن سياق التقييم الأمني، سأحرص على ما أجاب عنه "غرانت روملي" -بتصرف- حتى نكون ناقلين للشهادة لا أكثر، وبالمناسبة هو زميل أقدم في برنامج الزمالة "ميزل غولدبرغر" في "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر حول منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط" التابع لمعهد واشنطن، ومتخصص أيضًا في الشؤون العسكرية والأمنية بالشرق الأوسط.
المسار الأول (دعم جهود التحديث الدفاعي في المنطقة)، اعتبر أن الصين أكثر مرونة من الولايات المتحدة الأميركية في نقل التكنولوجيا والبحث والتطوير بالنسبة لشركائها في المنطقة، الذين يرون أنها تدخل في اتفاقيات دفاعية مبتكرة مع دول أخرى -سواء أكانت اتفاقية "أوكوس" (AUKUS) مع أستراليا والمملكة المتحدة أو "إندوس-أكس" (INDUS-X) مع الهند- ويلاحظون عموماً غياب الاهتمام بإبرام اتفاقيات مماثلة في الشرق الأوسط.
وبالنسبة للولايات المتحدة، يُعَدّ التخلي عن عدم المرونة هذه ومشاركة التكنولوجيا مع الشركاء الإقليميين إحدى الطرق لتعزيز الشراكة الأمنية بما يتجاوز مجرد الالتزام بالموارد العسكرية على الأرض، لكن إذا ما تم تنفيذ ترتيبات حذرة ومدروسة في مجال مشاركة التكنولوجيا الدفاعية، يمكن تحقيق هدفين في الوقت نفسه، هما تعزيز العلاقة الدفاعية مع الدولة الشريكة وفرض قيد هيكلي آخر على علاقة أي دولة ثالثة مع بكين، من خلال طلب ضمانات بشأن المعلومات الأميركية.
المسار الثاني (تنسيق الرسائل المتعلقة بالصين والموجَّهة إلى دول المنطقة مع الشركاء العالميين)، ويقول عنها: "يسمع الشركاء الإقليميون خطاب الولايات المتحدة بشأن الصين منذ سنوات، ويتقبل البعض هذا الخطاب بينما لا يتقبله الآخرون، فبعضهم ينظر لها باعتبارها جهة فاعلة غير موضوعية في هذا المجال، وإحدى الطرق لتفادي هذه الظاهرة هي أن يعمد الشركاء العالميون الآخرون، لا سيما الذين يتمتعون بخبرة في التعامل مع الصين، إلى نقل تجاربهم الخاصة ثم توجيه تحذيرات إلى دول الشرق الأوسط، ويمكن الاستعانة هنا باليابان أو سنغافورة، التي لديها علاقات راسخة في منطقة الشرق الأوسط ولها تاريخ في التعامل مع ممارسات الصين، حيث من الممكن أن يؤدي ذلك تنسيق رسائلها الموجَّهة إلى دول المنطقة إلى إثبات الخطاب الأميركي".
المسار الثالث (مزامنة الجهود بين السلطتين التشريعية والتنفيذية للحد من نفوذ الصين في الشرق الأوسط)، ففي يناير 2024، طلبت "اللجنة المعنية بالحزب الشيوعي الصيني" في مجلس النواب الأميركي من وزارة التجارة الأميركية التحقيق في إحدى الشركات على مستوى المنطقة، فيما يتعلق بعلاقاتها المزعومة مع الصين، وجاء ذلك بعد سنوات من قلق الحزبين في السلطتين التنفيذية والتشريعية بشأن هذه الشركة، وبعد شهرٍ، أعلنت المجموعة أن ذراعها الاستثماري سحب كامل استثماراته من الشركات الصينية، وأعد -المُقيم- ذلك تطورًا ومثالًا على القوة المحتملة التي يمكن أن تتمتع بها الرسائل الموحدة والواضحة والصبورة في معالجة المخاوف المتعلقة بالصين مع شركاء الولايات المتحدة.. دمتم بخير.
التعليقات