في المملكة لا نكاد ننتهي من موسم حج إلا ويبدأ الاستعداد الجاد للموسم القادم مباشرة.. لا رجاء في استثمار، وحسابات ربح، أو تجارة.. فتجارتنا مع الله عز وجل وحده ثم واجبنا وذلك يمثل قيمة وطن تم تأسيسه على دستور حكيم بُني على الكتاب الكريم، والسنة المطهرة، وشعب كريم بكل فئاته يوقّر ضيوف الرحمن.

نعم لا يوجد دولة مثل المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين تستعد بكل الإمكانات لموسم تجمّع هائل يجمع ملايين من الحشود العظيمة، والحملات المتفاوتة، والجماعات المتعددة، والبشر المختلفين.. موسم كثيف المتطلبات، وعظيم التجهيزات، ومتنوع الإجراءات، ومتعدد التحركات، وواسع المتابعات.. يساهم فيه الجميع؛ جهات حكومية، ومؤسسات وطنية، وقطاعات خاصة، ومواطنون لخدمة أولئك الضيوف.

يبدأ الموسم بمنة الله تعالى ببرامج عظيمة، وخطط مستقيمة فهناك برنامج خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة والزيارة حيث يتضمن استضافات الحجاج من عشرات الدول وبالأخص دولة فلسطين، وتكليف آلاف الكوادر الوطنية من منسوبي ومنسوبات الوزارة لخدمة الحجاج.

وتتواصل كافة الجهود، والأمور، والإجراءات، فهناك تجهيز المواقيت والمساجد ومنطقة المشاعر المقدسة بمئات المساجد، وفرش الوزارة السجاد المميز لكافة مساجد منطقة المشاعر المقدسة والمواقيت، وكذلك نشاطات الأمانة العامة للتوعية الإسلامية بالحج التي تستهدف توفير ملايين الخدمات التوعوية بلغات كثيرة، وتكليف مئات الدعاة للعمل على مدار الساعة خلال موسم الحج، لتنفيذ آلاف من المناشط الدعوية خلال الموسم، وتجهيز عشرات من خطوط الاتصال مرتبطة بمركز تحكم يربط المركز بالدعاة، لاستقبال مكالمات الحجاج، وتوزيع الوزارة ملايين النسخ من القرآن كهدية من خادم الحرمين الشريفين لكل حاج، بالإضافة إلى ترجمة كلمات القرآن الكريم بعشرات اللغات العالمية. وتوفير خدمة المكتبة الإلكترونية التي تقدم مئات المواد العلمية والإرشادية بلغات مختلفة.

الحج لدينا بفضل الله "تساهيل"، فللأمن فيه تنظيم، وللصحة فيه استعداد، ولكل الجهات الرسمية وغيرها فيه ترتيب.. كل شيء في مكانه جاهز.. وكل جاهزية هي في مكانها.. خدمات جليلة، وآثار طيبة، وتفاعل كريم، ومساعدات ندية، ودعم غير محدود.. هكذا هي بلادي المسؤولة الأمينة تستعد لموسم الحج العظيم، وتقدم لضيوف الرحمن من كل العالم التسهيلات.

ولا شك أن وزارة الحج والعمرة تسعى دوما إلى تطوير كافة برامجها وخططها وإجراءاتها، لذلك حرصت على مشاركة الجميع ليضيفوا مقترحاتهم وأفكارهم حول كل أمر يخص الحج وتفاصيله، ويمكن أن يكون فيه منفعة، فعلى الجميع أن يساهموا في ذلك لعل يكون فيما يطرحونه مساهمات تزيد من حالة التيسير والتسهيل التي تشهدها إقامة ومناسك وتحركات الحجيج والخدمات المقدمة لهم.

ولعل الوزارة تستفيد من بعض المسوح الميدانية التي رصدتها في فترات العمرة وزيارة المسجد الحرام من قبل المعتمرين الذين يأتون من الخارج خصوصا؛ كبعض المواقف والمشاهد التي قد تصدر من بعض الزوار في داخل الحرم وحول الكعبة بسبب ممارساتهم الفردية كالتوقف عند مقام إبراهيم عنوة أو التشبث بستار الكعبة أو الازدحام للدخول في الملزم وأسلوب الاستجابة لرجل الأمن وتعليماته، أو محاولات تخطيهم للمسارات أو الأماكن المخصصة، وكذلك نوعية التعامل مع المنظمين والمرشدين والحراس داخل الحرم حيث إن الكثير من الحجاج يرغب شغفا في أن يفعل كل ما يظن أنه من العبادة والممارسة الطيبة فيأتي اعتقادا منه أن الأمر مفتوح ومتاح له دون تنظيم، فيرى أي تنظيم عائقا أو مانعا وبقناعة خاطئة ينقل صورة سلبية عن ذلك.. لذا أتمنى أن يكون هناك دليل إرشادي راصد وجامع وشامل لكل التصرفات المرصودة وغير المقبولة في التعامل التي قد يجهلها القادمون للحج ووضعها في كتيب إرشادي وتثقيفي يبين ويعرّف بطبيعة المخالفات والتعاملات والممارسات الخاطئة وما يتوجب على الحاج والزائر أن يلتزم به حرفيا وذلك بالنصوص والصور والرسوم الإرشادية، وكذلك التطبيقات الذكية، وأتمنى توزيعها مبكرا عبر الحملات وفي الطائرات والمنافذ والتأكيد على اطلاع كل زائر وحاج لما تتضمنه من توجيهات وإرشادات، وبثها في رسائل إعلامية وإعلانية.

ويبقى القول: من حكمة المملكة أنها تتعامل دوما مع موسم الحج كموسم ديني خالص لا يمتزج بتداخلات أخرى حيث تقوم بما هو واجبها الذي سارت على إتمامه وإكماله كما يليق ويتوجب بعظم الشعيرة ومكانة ضيوف الرحمن، لذلك فالخدمات لمن يراها ببصيرة الموضوعية والعدالة هي جلية وواضحة وعلى كل حاج راشد أن يلتزم فقط بالتوجيهات.. ولا شك أن الوعي لدى الحاج وتثقيفه المسبق والتشديد على ذلك سيسهم بعون الله في التقليل من الممارسات الخاطئة، وسيفهم أن الكل في خدمته.. وندرك تماما أن ذلك محل اعتبار مقام وزارة الحج.