في غضون أشهر قليلة سوف تدخل حرب غزة عامها الأول، وتدخل الحرب في أوكرانيا عامها الرابع. ومما لا شك فيه أن هذه الحروب ستغير وجه العالم وتخلق أقطاباً جديدة وتحالفات مختلفة ستخلف تبعات ثقيلة على مستقبل العالم.

لقد أدركت دولة الإمارات تأثيرات استمرارية هذه الحروب، وعملت جهدها على إيقافها أو الحد من تأثيراتها، وبخاصة على المدنيين وعلى الاستقرار العالمي. وعلى الرغم من كل الجهود العالمية لوقف نزيف الدم والدمار إلا أن هذه الحروب مستمرة، وتداعياتها على الأصعدة كافة مستمرة أيضاً.

الإمارات مدركة أن العالم مقبل على متغيرات قوية، وبالتالي تهيأت لتلك المرحلة ببناء الشراكات الاقتصادية المتنوعة والتخطيط الجيد للمستقبل بتنويع الشراكات السياسية والاستراتيجية. وزيارة صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، لدول في آسيا مؤخراً تصب في هذا التوجه. وكما يبدو فإن مستقبل الهيمنة على العالم سوف يتغير وسوف يدخل لاعبون جدد إلى الساحة، خاصة مع تراجع الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، والانحياز الأمريكي التام لطرف ضد آخر، الأمر الذي يفقد أمريكا مصداقيتها في المنطقة كلاعب رئيس.

ومع تطور الأوضاع العالمية والانتخابات المنتظرة في دولتين كبيرتين هما الولايات المتحدة الأمريكية في نوفمبر 2024، وبريطانيا في 4 يوليو 2024، ينتظر أن تسفر تلك الانتخابات عن واقع جديد، خاصة مع إعلان حزب العمال أنه سوف يعترف بدولة فلسطينية في حال فوزه في الانتخابات.

إن النظام العالمي الحالي يمر بفترة متناقضات قوية لا شك أنها سوف تفرز حالة من عدم الاستقرار والترقب، ففي خضم محاولتها الحفاظ على هيمنتها على العالم سوف تعمد الولايات المتحدة إلى التركيز على مناطق معينة في العالم، الأمر الذي سوف يؤثر على دورها في رسم مستقبل العالم. وليس هناك شك بأن مستقبل العالم سوف يتغير بعد انتهاء الهيمنة الأمريكية، فهناك تركيز عالمي قوي على الفاعلين الجدد، كالصين مثلاً، التي تقدم أنموذجاً مغايراً عن العولمة قائماً على المنافسة الاقتصادية واستفادة الجميع من كل الفرص والتحديات وتقاسم العوائد والأرباح عوضاً عن الاستحواذ على كل الفرص الاقتصادية.

إن العالم يمر حالياً بفترة من التناقضات القوية، خاصة بأدوار القوى المؤثرة مثل أوروبا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. ومؤخراً عندما اجتمع قادة هذه الدول في نورماندي بفرنسا للاحتفال بما يسمى D-Day أو معركة نورماندي، وهي المعركة التي فقد فيها أكثر من 22,442 جندياً تحت القيادة البريطانية أرواحهم في سبيل الدفاع عن أوروبا ضد النازيين، أثناء الحرب العالمية الثانية، أدركت هذه القوى التبعات المترتبة على الحرب. كان واضحاً أن هذه الدول تدرك فداحة الحروب والخسائر البشرية الهائلة التي تكبدها هؤلاء الجنود الذين قدموا أرواحهم لحماية دولهم والعالم. ولكن من الواضح أيضاً أن ما تريده تلك الدول ليس فقط إحلال السلام، ولكن السلام المرتبط بالحفاظ على مصالحها وهيمنتها على العالم. إذن فالهيمنة على العالم على المحك، وما ستفرزه الفترة المقبلة هو دخول لاعبين جدد ربما يغيرون مستقبل العالم.

لقد عبرت الإمارات دائماً وأبداً عن رغبتها في إحلال سلام عالمي عادل يحترم حقوق الدول كافة، ويحمى المدنيين من آثار الحروب المدمرة، ويحافظ على الاستقرار الاقتصادي، الذي هو أساس مهم لاستمرارية التنمية المجتمعية. ولا يمكن أن يتبلور مثل هذا الوضع دون قوى دولية فاعلة ومؤثرة وعادلة تتعاون مع بعضها البعض لتحقيق مثل هذا التوازن وتسعى للمحافظة على مصالحها دون الإخلال بمصالح الآخرين، فإيقاف الحروب وفض فتيل الأزمات السياسية والسعي نحو المصالحة المرتبطة بالحفاظ على مصالح كل الأطراف هي مسؤولية دولية يجب أن يقوم بها الطرف الأقوى المهيمن على العالم، الذي لديه رغبة حقيقية وصادقة في إبقاء العالم بعيداً عن النزاعات والحروب، وهذا في الواقع ما تسعى دولة الإمارات إلى تحقيقه عبر شبكة تحالفاتها الجديدة.