بعبارة شديدة الكثافة والدلالة اختصرت الناقدة والروائية الأمريكية سوزان سونتاغ الموقف الوجداني من الحياة في هذه العبارة التي تقول فيها «حين ينتابنا الخوف نطلق الرصاص، لكن حين ينتابنا الحنين نطلق الصور» فما الذي يدفع الإنسان أو الإنسانية بشكل عام، وفي لحظة فاصلة، لاختيار أحد هذين الفعلين البشريين دون الآخر: إطلاق الرصاص أي القتل، أو إطلاق الصور أي الاحتماء بالفن؟

هل تلعب الثقافة العامة دوراً ما في هذا الخيار، هذا إذا اعتبرناه خياراً؟ أم أنها غريزة البقاء والدفاع عن النفس؟ أم الظروف الخارجة عن إرادة الناس البسطاء المحكومة بقرارات يتخذها ويسيرها أشخاص ومجموعات وقوى أكبر من الجميع؟

إن كل الحروب التي أطلق الإنسان فيها الرصاص والقنابل والصواريخ، واستخدم كل الأسلحة المحرمة فتوحش وأوغل في حيوانيته، كان يحتج في كل ما يفعل فيها بأنه يدافع عن نفسه وحياته وحياة من هو مسؤول عنهم، فكيف كان ولا يزال الإنسان يرى في موت الآخر وقتله بوحشية فعل حياة لنفسه ولمن يحب؟

كيف يمكنه أن يعيش ويستمتع ويشعر بالأمان والبهجة وهو يعلم أن الأرض التي يدق فيها أساسات حياته قد حرثها قبل قليل بآلاف الجثث والأشلاء؟

هل يفقد ذاكرة إنسانيته ليتحول إلى محض حيوان بشكل آليّ، ثم بعد أن ينفض يديه من الجثث والدماء يستعيد ذاكرته، ويجلس ليعزف لحن الحرية والخلاص من الأعداء؟ كيف؟ أي ذاكرة وأي إنسانية وأي حضارة نعيشها ونجتر منجزاتها ونتباهى بمكاسبها؟

كيف يمكن للذين نفضوا أيديهم من إطلاق الرصاص على آلاف البشر أن يتحججوا بالخوف على أنفسهم؟ لأن الخوف أكبر مبررات البشر للقتل، والجوع أقوى حجج الإنسان لأكل لحم أخيه في البرية، كذئاب ضارية أو ضباع هائمة! وكيف أمكن لأبناء هؤلاء أن يقيموا المدن، ويشيدوا القصور، ويخترعوا الموسيقى والمسارح، ويقيموا حضارة مدن النهضة والفن والمتاحف وفن النحت والتصوير؟

هل لأننا عندما نخاف نكون كائنات بلا هوية، وأن الحب والحنين وحدهما ما يعيدان لنا حمضنا البشري وفصيلة إنسانيتنا، فنبدأ في إطلاق مؤشرات على وجودنا الآخر: وجودنا البشري المتمثل في الصور والفن والأدب والسينما والموسيقى؟