من المواضيع الطريفة، والمسائل اللطيفة، فلسفة «عناوين الكتب»، لما فيها من فلسفة خاصة وأبعاد معقدة، قد تغمض على كثير من الناس، ولا يلتفت إليها إلا القارئ الخبير، والمطالع البصير، الذي وزن الأمور بميزان ‌حساس.

والحق أقول، إن «العناوين» حظيت بفلسفة لدلالاتها النفسية ومعانيها الفلسفية التي تحتاج إلى النظر والتأمل والتفسير، فمع ما فيها من حاجة وافتقار، وذل وصَغار، إلى ما بعدها من مادة الكتاب وما فيه من أخبار، فإنها بذاتها تشكل كينونة خاصة، ووحدة مستقلة لا يستهان بها.

والعنوان إذا أسيء استعماله، وأهمل اختياره، فإنه سينقلب على الكتاب شراً، ويكون مذاقه مراً، وهيهات هيهات أن يمشي بين الناس وينتقل حراً!

هيهات هيهات لما رمته... أو يولد الفيل من النّون

يقول الدكتور المصلاوي: «العنوان هو العتبة الأولى والأَهم بالنسبة لأي نتاج كتابي، لأنَّه سيحدث جذباً إيجابياً، إقبالاً عليه، أو نفوراً سلبياً إدبارياً منه».

والعناوين بعد ذلك تختلف، فمنها ما يكون دالاً على الكتاب، وكتب اللغة والأدب والتفسير والحديث في تراثنا تصدق هذا.

ومنها ما يكون ضالاً عن الكتاب، فيدخلك في متاهات وضلالات واكتئاب!.

ومن النوع الأول «الأيام»، لطه حسين، وهو قصص وحكايا أيام طه حسين في طفولته وصباه.

وكتاب «حياتي» لأحمد أمين، فهو تسجيل لحياته.

ومثلهما «غربة الراعي»، وسيرة الشاعرة فدوى طوقان «الرحلة الأصعب»، وسيرة مكسيم غوركي «حياتي»... وهكذا.

فالأيام كاسمها، تدل على الأيام التي عاشها المؤلف بحلوها ومرها. وحياتي لأحمد أمين تدل على نوع الحياة التي عاشها أحمد أمين، مقارنة بحياة ولده، فهو يتكلم عن حياتين، وزمنين مختلفين، وإحسان عباس في غربة الراعي، فصل في غربته إبان دراسته، وطلب رزقه في البلدان العربية.

كذلك فدوى طوقان، وغوركي وغيرهم، فإن عناوين سيرهم الذاتية تدل عليها بالتأكيد، وبشكل مطابق.

إلاَّ أنَّ هناك الكثير من العنوانات أدت إلى إهمال الكتاب، وحولت التفات القارئ إلى كتبٍ غيره، لأسباب كثيرة، سنتناولها في الحلقة الثانية.