تظهر كل المؤشرات أنّ "حرب لبنان الثالثة" مقبلة لا محالة: إسرائيل وضعت الخطط، "حزب الله" يعلن عن أهدافه الاستراتيجية المقبلة، زعيم "حماس" ينتظر الفرج في غزة من انفجار الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية، الولايات المتحدة الأميركية "تسرّب" أنّها قد ترفع الفيتو عن حرب مماثلة، عواصم العالم تتحرك على أساس أنّ "الحرب حقيقة"!

هل كل هذا دقيق؟

تتقدم أخطار الحرب على إمكانات الحل، ولكن، من دون أدنى ريب، فإنّ المخاوف التي حالت، منذ الشهر الأول لفتح الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية، دون توسيعها لا تزال قائمة، إذ إنّ هناك قناعة مطلقة بأنّ حرباً مماثلة سوف تؤدي الى تصعيد إقليمي خطير تشارك فيه إيران، مباشرة وبواسطة أذرع "الحرس الثوري" في العراق واليمن وسوريا، وبأنّ الثمن الذي سوف تدفعه إسرائيل لا يوازي المكاسب التي يمكن أن تحققها، خصوصاً أنّ "حزب الله" ليس بوارد المبادرة إلى توسيع هذه الحرب، بل هو يستدعي عدوّه الى صفقة تقضي بتخفيض مستوى التصعيد حتى توقيفه مع انتهاء الحرب على غزة.

وإذا ما تمّ الاعتماد على الأسبقيات، يبدو جليّاً أنّ الحروب الإسرائيلية في هذه المنطقة لا يتم التمهيد لها بالإكثار من التهديدات المسبقة. عندما اندلعت "حرب لبنان الثانية"، في 12 تموز (يوليو) 2006 بين إسرائيل و"حزب الله" لم يكن أحد يتوقعها، وكذلك الحال عندما اندلعت حرب "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

ماذا يحصل، إذن؟

هناك قناعة في الحكومة الإسرائيلية وكذلك في قيادة الجيش الإسرائيلي بأنّ الحرب على "حزب الله" في لبنان سوف تنتهي، مهما حصل، باتفاق لن يكون مضمونه مختلفاً كثيراً عن مضمون القرار 1701، وإن جاء معززاً على مستوى الآليات التنفيذية، ولكنّ هذين الطرفين المعنيّين بقرار الحرب، يخضعان لضغط سياسي وشعبي كبير، وعليهما، من الآن، حتى الأول من أيلول (سبتمبر) المقبل أن يحضرا الأرضية لعودة المبعدين عن مدنهم وبلداتهم في الشمال، تحت طائلة "ترسيخ النزوح"، باعتبار أنّ سنة مدرسية جديدة سوف تبدأ وسنة إنتاجية جديدة سوف تفتح روزنامتها.

وهذا الضغط يفترض أن يحصل على جواب سريع، إمّا عبر الدبلوماسية التي جرى تسليمها، بشكل حصري، بعد استبعاد فرنسا، الى البيت الأبيض وموفده آموس هوكتشاين، وإمّا عبر الضغط العسكري الشديد.

وبما أنّ "حزب الله" لا يتفاعل إيجاباً مع الدبلوماسية، باعتبار أنّه ربط مصير الجبهة اللبنانية بمصير جبهة غزة، تمّ تغيير التكتيك التفاوضي، بحيث تمّ نقله من مستوى "دبلوماسية اللسان" إلى درجة "دبلوماسية الضغط".

وعملاً بالحكمة العسكرية التاريخية التي تفرض وجوب إظهار القوة حتى لا يتم استخدامها، استدعت إسرائيل الولايات المتحدة الأميركية الى الموافقة على طريقة مختلفة في التعاطي.

لسان حال إسرائيل يقول للأميركيين: لا يمكنكم إقناع "حزب الله" بالسير بأيّ حل سلمي طالما أنتم مصرون على رفع فيتو في وجه فكرة توسيع الحرب ضده. في هذه الحالة، وبما أنّه غير معني بخسائر لبنان وشعبه، ولا يقيم كبير اعتبار لما يتكبده من خسائر في صفوف مقاتليه، وبما أنّ إيران وتنظيمات "جبهة المقاومة" لن تخسر شيئاً من إطلاق تهديداتها بالمشاركة في الحرب، لا بدّ من التقدم خطوة الى الأمام، وإفهام "حزب الله" وحلفائه بأنّ البيت الأبيض أسقط الفيتو عن الحرب في حال اضطرت إسرائيل إلى خوضها!

ما حصل عمليّاً، أنّ التنسيق بين الجيشين الإسرائيلي والأميركي، انقلب على ما كان ظاهراً منذ الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، إذ كان قد بدا أنّ فرضية الحرب كلّما خطت خطوة الى الأمام تراجعت خطوتين الى الوراء. حالياً، وهذا هو التطور الأبرز، أصبح احتمال الحرب يخطو خطوة الى الأمام ويتراجع خطوة واحدة فقط إلى الوراء.

وهذا التطور يعتبره البعض، يتقدمهم "حزب الله"، مخيفاً، لأنّه في الواقع يسحب البيت الأبيض، عشية بدء الحملة الانتخابية الرئاسية رسميّاً، الى الدائرة التي تتمناها إسرائيل. في الحملة الانتخابية، لن يكون هناك أي مجال لأي طرف، مهما كان "عاقلاً"، للوقوف على مسافة واحدة من إسرائيل، من جهة ومن "حزب الله" وإيران، من جهة أخرى.

وهذا تحديداً ما أثار الرعب في قيادة "حزب الله"، ولذلك جرت محاولة لتعديل هذا المسار التصعيدي، حتى لا تضطر الى تقديم تنازلات في المسار الدبلوماسي. رعب ترجم نفسه في بث فيديوهات تبيّن أن مسيّرات "حزب الله" يمكن أن تصل الى كل النقاط الاستراتيجية في إسرائيل، واستصدار تصريحات تهديدية من إيران وتنظيمات "جبهة المقاومة"، وترهيب الاتحاد الأوروبي باحتمال توريطه في الحرب المقبلة، من خلال توجيه تهديدات الى قبرص.

لكنّ "الحرب النفسية" لا تجدي نفعاً، فالجبهة الداخلية اللبنانية الهشّة تتغذى من قناعة بعدم احتمال وقوع الحرب، لهذا، فقد خلق مقال واحد نشرته صحيفة "دايلي تلغراف" البريطانية عن تخزين صواريخ لـ"حزب الله" في مطار رفيق الحريري الدولي موجة ذعر هائلة، في رأي عام مقتنع كليّاً بعدم وجود أي سلطة في

دولته يمكنها أن تتصدى لأي أمر، مهما كان خطراً، يتخذه "حزب الله".

بناء على كل ما تقدم، هناك تمهيدات جديّة لتعزيز "حظوظ الحرب"، لكنّها لا تزال، حتى تاريخه، في خدمة الدبلوماسيّة!