- تقول العرب فلان يَهْلِس هلساً: أي إنّه أخذ يَهذي من شدة المرض أو الحزن ونحوها، وباتت مفردة من معانيها أن المرء يتكلم بإسهاب وبلا تركيز؛ أو أنه يقول كلاماً تنقصه الأدلة والبراهين، وهنا -في هذه الأسطر- لا هذه ولا تلك؛ فهو كلام طرأ على البال نتيجة وجبة دسمة جداً مكوناتها من أجزاء أضحية العيد المبارك -تقبل الله منا جميعاً صالح الأعمال- وتقول العرب: البِطنة تُذهب الفِطنة، ولعله من المقبول هذه المرة أن أُجيز لنفسي بأن أسميها هلساً؛ لإيماني بأن الرتابة والجديّة الدائمة تورث الملل، والتنويع والتجديد يجلب الارتياح والمنفعة معاً.

- والحَمِيس: عند أهل نجد وبعض مناطق المملكة يعني ما يطبخ صباح يوم عيد الأضحى من أجزاء الأضحية لحماً وشحماً متنوعاً، ومنهم من يجعل طبقاً آخر من الحوايا، وكذلك من الكبد والكلى وما شابه هذه الأكلات الطيبة الشهية بنكهاتها ومذاقها الخاص بها بذاك اليوم المبارك، وقد تختلف التسمية من منطقة لأخرى غير أن المعنى هو ذاته وإن تباينت طريقة الإعداد والتقديم.

- من الطرائف ما قرأته خلال أيام العيد الماضي بثنايا تقرير عن وجبات الأضاحي في البلاد العربية والإسلامية نشرته إحدى الصحف العربية وبرز عنوان يفيد بأن (الخَميس) وجبة سعودية مفضلة من الأضحية؛ والصحيح الحَمِيس، والأطرف منه عنوان بموقع إلكتروني عربي يدعو للابتسام حيث يقول: إن (المُفلطح) أكلة سعودية مشهورة ومفضلة صباح عيد الأضحى! وأنوه هنا بأن التسمية الصحيحة هي (مُفطَّح) وتعني تقديم نصف الخروف الخلفي بما فيه الظَّهر وبأفخاذه وليته كاملاً للضيوف كتلة واحدة إمعاناً في التكريم عند بعضهم.

- ملحوظة ثالثة: ذلكم بأن متحدثاً كان يشرح عادات بعض المجتمعات بتقديم وجبات يوم عيد الأضحى؛ ومما قال: إن (الكليجا) أكلة مفضلة لمجتمعات بعض المناطق بالسعودية، وللتوضيح لمن لا يعرف الكليجا بأنها نوع من المعجنات المحلاة بالعسل أو الدبس أو السكر كحشوة ضمن توابل مختارة تناسبها، وتاريخها يقول إن نشأتها في منطقة القصيم بالسعودية وأكثر من أشهَرها هم رحَّالة (عقيلات القصيم) حيث إنها تشبه البسكوت بشكلها المُقبب المُدوّر المحشو؛ ويمكن حملها بين أمتعتهم لتكون كالحلوى لهم بين وجباتهم بترحالهم الطويل للتجارة بين البلاد العربية آنذاك، وتقديمها صباح العيد إنما كان غالباً في عيد الفطر وفي المناسبات السعيدة.

- صباح عيد الاضحى ستجد أن من أسعد الكائنات طائراً لطيفاً خدوماً منتجاً بدأب وإخلاص لخدمة الإنسان وإن جار عليه هذا الأخير طبخاً وشياً بلا هوادة؛ إنه الدجاج نظراً لصدود البشر عنه وتركه يرتع ويقفز كما يشاء بسلام، تاركاً للخراف مواجهة مصيرها المحتوم فما هي سوى سويعات لتكون بين (التنور والوطيس) للطبخ والشواء.

- وإن اختلف العرب ببعض شأنهم إلّا أنهم متفقون على طريقة إعداد وجبات لحوم الأضاحي ولو تباينت التسمية، وكأمثلة فقط: عند أهل مصر الفتة والممبار، وبالمغرب البولفاف، وبتونس الزغديدة والعصبان، وبالجزائر الدوارة، وللعراقيين الباجة، أما مكلف البحرين فهو على اسمه حيث العناية بتوابله ومكسراته، ولا يقل عنه مقلاي عُمان، أما أغرب أكلة عربية يبدو أنها(المرارة) السودانية المكونة من الكبد والكلى والرئة والطحال تُتبَّل وتؤكل نيئة!