مناسبة بداية السنة الهجرية الجديدة تحظى بمكانة خاصة ومشاعر مختلفة لدى الكثير من المسلمين، كونها تمثل ذكرى هامة للحدث المهم الذي غير مجرى التاريخ منذ نزول الوحي على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، كون بداية السنة الهجرية مرتبطة بالانطلاقة العلنية البارزة والتي غير التاريخ بهجرة سيدنا محمد إلى المدينة، والالتقاطة الذكية للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عند اعتبر هذا التاريخ الخيار الأهم لتنظيم مراسلات الدولة الإسلامية في بداياتها، حيث تم إقرار السنة الهجرية كما هو معروف بعد مرور سبعة عشر عاماً على هجرة النبي صلى الله عليه وسلّم، وتحديداً في السنة الرابعة من خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، حيث تم الاتفاق على اعتبار السنة التي هاجر فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- هي بداية التقويم، واختير الأول من محرّم كبداية للسنة، وذي الحجة نهاية لها، ومن هنا انطلقت السنة الهجرية من هجرة الرسول والتي صادفت عام 622م، لتصبح السنة الأولى في التاريخ الهجري.

ومع الطقوس المختلفة التي يتعامل الكثير من المسلمين مع بداية العام الهجري، وهي عادات مقبولة ما لم تمس الثوابت، نجد أن الكثير من الدول تعتمد بداية العام الهجري إجازة رسمية، وهناك أكلات ومشروبات معينة تتوارثها الشعوب بينهم كجزء من الاحتفالية، أما على مستوى التلفزيون والسينما على وجه التحديد، أن قناة الـMBC اعتادت ومنذ سنوات على بث فيلم "الرسالة" للمخرج العالمي الراحل مصطفى العقاد، والطريف أنني عندما بحثت تاريخيا عن أشهر الأفلام التي تناولت بداية الهجرة النبوية، وجدت أنها من حيث الشهرة لا تتجاوز 5 أفلام والأطرف أنها أنتجت منذ أكثر من خمسين عامًا، ولم تقدم السينما العربية أي إنتاج يتناسب مع هذا الحدث التاريخي الهام لأسباب مهمة أبرزها أنه من الصعوبة تجسيد شخصيات الصحابة، وكذلك بعض المواقف للكثير من الدول من ناحية دينية بهذا الخصوص.

ولكن لا يمكن إغفال أهمية فيلم الرسالة الذي وصل للعالمية منذ إنتاجه عام 1977 وتقديمه بنسختين عربية وأجنبية تصدر العربية الممثل الراحل عبدالله غيث والأجنبية الممثل العالم انطوني كوين، وبلغت تكاليف في تلك الفترة أكثر من 40 مليون ريال، ولا زلت أذكر لقائي بمخرج الفيلم الراحل مصطفى العقاد وهو يزور الرياض قبل سنوات، ويبحث عن تمويل مالي لفيلمه القادم صلاح الدين الأيوبي، والذي يحاول فيه أن يوضح المفاهيم السامية لرسالة الإسلام وكشف أسرار الحملات الصليبية، ولكن القدر لم يمهل العقاد ومات تحت أنقاض فندق في العاصمة الأردنية عمان بعد انفجار إرهابي فيه، ليكون هذا الحدث تناقض في مسيرة رجل كانت عناوين أفلامه رسائل نبيلة وموته بفعل عمل إرهابي باسم الإسلام.

فيلم الرسالة وأهميته أعطتنا وحسب لقاء قديم لمخرجه الراحل العقاد مع مجلة المجلة اللندنية تفهم السعودية للرسالة الثقافية والفنية للفيلم وعدم ممانعتها له لكونه لا يمس الإسلام، بل حظي العقاد باستقبال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، عندما كان أميرًا لمنطقة الرياض كدعم مُعتاد منه -حفظه الله- للأدباء والمثقفين، لذلك لا غرابة أن يظل هذا الفيلم علامة فارقة سينمائيا بتجسيد الرسالة الإسلامية رغم الصعوبات والظروف التي مر بها هذا الإنتاج العظيم، ومع الأمل بأن نجد إنتاجًا عظيمًا يصل للعالمية يجسد رسالة الإسلام السامية بصورة تتناسب مع لغة العصر الحالية.