كثيرة هي المواضيع والملفات التي تستحق أن يُكتب عنها أو تُثار حولها الأسئلة، وذلك لأهميتها وخطورتها. الأسرة بما تحمله من أهمية وتأثير واحد من أهم تلك المواضيع والملفات المثيرة. للأسرة مفاهيم ووظائف واسعة ومتعددة، خاصة في مثل هذه المرحلة الاستثنائية من عمر العالم الذي تتشابك وتتقاطع فيه المصالح والعلاقات والمكونات التي تتشكل منها الأسرة، فقد تكون أسرة صغيرة تتكون من الأب والأم والأبناء، وقد تكون أسرة مركبة تُمثل العائلة التي تجمعها روابط الدم والنسب والقرابة، في حين قد تكبر لتكون "الأسرة الكبرى" التي تمتد لتُشكّل محيطاً مجتمعياً كبيراً.

بعيداً عن تعريفاتها وتوصيفاتها الكثيرة، بل والمتباينة، فالأسرة هي الوحدة الأساسية لكل مجتمعات العالم، وهي حجر الزاوية الذي رسم البناء الإنساني والحضاري منذ البدايات الأولى لتاريخ البشرية وحتى وقتنا الراهن، لذا فهي تحتاج للكثير من الدعم والمساندة والحماية لكي تُمارس دورها الحقيقي في نهضة وتنمية وتطور المجتمع.

إن ما تتعرض له الأسرة من ضغوطات ومؤثرات وتحولات، أضعف قدرتها على ممارسة وظيفتها الرئيسية وهي صنع الأجيال المتوازنة التي تحتاجها المجتمعات والأمم لتواصل مسيرتها التنموية والنهضوية. الصعوبات والتحديات التي تواجه الأسرة الحديثة، لا يمكن حصرها أو تعدادها، ولكن هذه قد تكون أبرزها وأخطرها: ظاهرة العولمة التي قذفت بها في سماوات وفضاءات الانفتاح والتمدد الكوني، وطغيان وسائل ووسائط التقنية والإعلام والاتصال والتواصل التي حولت أفراد الأسرة الواحدة إلى ما يشبه الجزر المعزولة، وتنامي ظاهرة الطلاق بمعدلات وأرقام كبيرة ومخيفة تُهدد وجود هذا الكيان المهم، وبروز الكثير من القيم والسلوكيات والعادات الحديثة التي أفرزتها التغيرات والتحولات الكبرى التي اجتاحت العالم بأكمله، والغزو الفكري والثقافي القادم من كل الاتجاهات والأجندات والتوجهات الخارجية والداخلية، وصراع الأجيال الذي يُمثل ظاهرة خطيرة جداً تتسبب في زيادة الهوة بين الأجيال والخبرات المتعاقبة نتج عنه حالة دائمة من المواجهة والصدام والصراع بين تلك الأجيال. تلك هي بعض الصعوبات والتحديات التي تواجه الأسرة، ولكن هناك خاصرة رخوة في جسد/قلب الأسرة أجدها الأخطر والأسوأ وهي ظاهرة الاختطاف التي تُعاني منها الأسرة، والذي يُسببه غياب التواصل والحوار والالتقاء بين الآباء والأمهات مع أبنائهم، الأمر الذي سيجعل الأجيال الصغيرة والشابة عرضة للضياع والانصياع لكل الأصوات والأجندات المتربصة والمؤدلِجة.

الأسرة هي أحد أهم أركان المجتمع، بل هي أعظم الركائز الأساسية للوطن، لذا فهي تستحق أن تكون في صدارة الاهتمام والعناية على كافة الصعد والمستويات، وكلما كانت الأسرة قوية وناجحة ومترابطة ومتماسكة ويسودها الوئام والانسجام والاحترام، انعكس ذلك وبشكل كبير ومؤثر على قوة ونجاح وازدهار المجتمع.