منذ أشهر عدة، يجهد الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله في تجميع "الأدلة" على أنّ قرار توريط لبنان في "حرب طوفان الأقصى" قد أدّى خدمات كبيرة لقطاع غزة. فهل هذا صحيح؟

من دون شك، أدّى إشعال "حزب الله" الجبهة اللبنانية إلى إلحاق أضرار جسيمة بإسرائيل، فهي اضطرت إلى إخلاء أكثر من ستين ألف نسمة من بلدات المواجهة في الشمال، وتكبدت خسائر بشرية ومادية كبيرة، وزادت الأعباء على جيشها وألوية الاحتياط التابعة له، ورضخت لمنطق "حرب الاستنزاف"، وتهاوت قوة الردع لديها، ووجدت أنّ الجولان الذي تنعّم بهدوء كبير لفترة طويلة من الزمن أصبح امتداداً لنيران الجبهة اللبنانية، وتحمّلت غضب سكان المناطق المعنية بهذه الجبهة.

كل هذا حصل فعلاً، وقد اعترف به مسؤولون إسرائيليون قبل أن يفنّده الإعلام العبري وتتحدث عنه المنظمات الأهلية في الشمال وتنقله إلى عواصم العالم وتنظم حوله جولات دبلوماسية، كما فعل الخميس الماضي رئيس لجنة الخارجية والدفاع في الكنيست الإسرائيلي بتنظيمه جولة لثلاثة وعشرين دبلوماسياً أوروبياً في كريات شمونة وصفد، لإبلاغهم "الأسباب الموجبة" للحرب إذا استمرت الدبلوماسية عاجزة عن إيجاد حل يسمح بتوفير عودة آمنة للسكان.

لكنّ كل هذا لم يؤثر قيد أنملة في جبهة غزة، فالنقص في الذخيرة الذي شكت منه إسرائيل لا علاقة له أبداً بالجبهة اللبنانية، إذ إنّ الجيش الإسرائيلي لم يستخدم القنابل الذكية الثقيلة جداً في قصف جنوب لبنان، بل في دك معاقل "حماس" والتنظيمات الفلسطينية المتحالفة معها المحصنة في أنفاق قطاع غزة، والاضطرار إلى تخفيض قوة النيران في القطاع الفلسطيني لم يكن، ولو لوهلة واحدة، على خلفية تخفيض قوة النيران من لبنان، بل بسبب ضغوط كبيرة مارسها البيت الأبيض ومراكز القرار في المجتمع الدولي والرأي العام العالمي الذي هالته المجازر اليومية.

والأهم أنّ حرب "حزب الله" لم تدفع إسرائيل إلى الجلوس إلى طاولة مفاوضات "الهدنة"، وإذا تمّ الركون إلى ما تقوله "حماس"، يظهر أنّ الحكومة الإسرائيلية تماطل في المفاوضات وتسعى إلى كسب الوقت لمواصلة الحرب، في حين أنّ "حماس"، وفق أكثر من مصدر موثوق به، تستعجل الهدنة إلى درجة اضطرتها إلى تخفيض سقف شروطها، بعدما وصلت أضرارها إلى مستويات "خطرة للغاية". وهذا يعني أنّ الحكومة الإسرائيلية ترتاح إلى استمرارية الحرب، لكنّ دون هذا الهدف جملة عوائق، لا علاقة لـ"حزب الله" بها لا من قريب ولا من بعيد، بل الأسباب تعود بالتدرج إلى ثلاثة عوامل: الضغط الشعبي لمصلحة تحرير الرهائن قبل أن يُقتلوا جميعهم، الإصرار الأميركي على وجوب تغيير استراتيجية الحرب على "حماس" وصمود المقاومة الفلسطينية.

ولقد غاب حتى على لسان أعتى مناوئي الحكومة في إسرائيل المنقسمة أصلاً على نفسها، أيّ كلام عن وجوب إنهاء حرب غزة حتى يتم التخلص من عبء الجبهة اللبنانية، بل العكس هو الصحيح، إذ إنّ هناك من يطالب بتخفيض مستوى الحرب على غزة، من أجل التفرغ لشن حرب واسعة على "حزب الله" في لبنان، كما هي عليه حال زعيم "حزب الوحدة الوطنية" بيني غانتس الذي يطالب بحسم الوضع على الجبهة الشمالية، بطريقة تعين النازحين من مدنهم وبلداتهم الشمالية، على العودة إليها، قبل حلول الأول من أيلول (سبتمبر) المقبل.

وهذا يعني، واقعياً، أنّ "حزب الله" هو الذي يستفيد من الحرب الإسرائيلية على غزة، لتحقيق أهداف يضمرها، منذ اليوم الأول لانضمامه إلى حرب "طوفان الأقصى"، من دون أن يجر ذلك عليه أيّ حرب تدميرية.

وثمة محللون استراتيجيون في إسرائيل، وهم أساتذة علوم سياسية في الجامعات العبرية الكبرى، يشتبهون بأنّ "حزب الله" يحاول أن يقطف ثمار الخسائر التي تلحق بغزة، فهو ينسب الفضل بما يصيب إسرائيل من أضرار إلى نفسه، على رغم أنّ مساهماته فيها ضئيلة جداً، تماماً كما يحاول أمينه العام حسن نصر الله الذي يريد مضاعفة سطوته على القرار اللبناني "سرقة" النجومية من يحيى السنوار الذي لا بد من أن يخسر هيمنته على غزة.

وأياً كانت أهداف "حزب الله" ومن خلفه إيران، بطبيعة الحال، من توريط لبنان بحرب "طوفان الأقصى"، فما هو مؤكد، حتى تاريخه، أنّ "بلاد الأرز" قد خسرت حتى إشعار آخر مكاسب الاستقرار الحدودي التي وفرها لها القرار 1701، وهي سوف تستمر في مواجهة أخطار حرب، إن لم يكن في القريب العاجل ففي المستقبل القريب جداً، فيما أُلحق مصير الجنوب اللبناني بمصير يحيى السنوار، إذ إنّه بدل أن يساهم في رفع البلاء عنه أصبح شريكاً له به!