لماذا اختار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون زيارة مدينة تيزي وزو، عاصمة القبائل الكبرى، وبعد عودته إلى الجزائر العاصمة أعلن في لقائه الدوري مع الصحافة الوطنية عن ترشحه للرئاسيات المقبلة؟ وما هي دلالة قوله في أثناء لقائه مع عدد من ممثلي المجتمع المدني لمحافظة تيزي وزو، إن هذه المحافظة "تستحق كل التقدير"، مشيداً بتاريخ شخصيات ثورية كافحت الاحتلال الفرنسي بالسلاح من أجل تحرير الجزائر كلها، وليس تحرير جهة معينة فحسب، منها لالا فاطمة نسومر وبوبغلة وغيرهما؟

يرى مراقبون سياسيون جزائريون، أن زيارة الرئيس تبون تتضمن رسالة مشفّرة موجّهة إلى بعض المعارضين المنتسبين بالولادة إلى هذه المحافظة، وإلى محافظات مجاورة ذات أكثرية أمازيغية، بخاصة أولئك المقيمين منهم في فرنسا وبعض البلدان الأخرى، والمشكّلين للجماعة التي توصف بالانفصالية.

وفي تقدير هؤلاء، لهذه الزيارة رمزيات محدّدة. ونتيجة لذلك، تميّز يوم الأربعاء الماضي بالزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس تبون لعاصمة القبائل الكبرى تيزي وزو برفقة الفريق أول رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري السعيد شنقريحة، في إشارة غير مباشرة إلى وحدة قيادة البلاد وإلى التكامل والانسجام بين مؤسسة الرئاسة وأجهزتها وبين منظومة الجيش، الأمر الذي يعني بحسب تصريحات وتعليقات بعض الملاحظين السياسيين وأقطاب النظام الجزائري، توافر عوامل الاستقرار في البلاد من جهة، وكذا رضا منظومة الجيش الوطني الشعبي على الرئيس تبون رئيساً للجمهورية الجزائرية من جهة أخرى.

وصف أحد المحلّلين السياسيين الجزائريين زيارة تبون لعاصمة القبائل الكبرى بأنها بمثابة قطع الطريق على جهات معروفة، ما فتئت تشكّك في الوحدة الوطنية أو ترغب في تعريض هذه الوحدة للتصدّعات، من طريق زرع أفكار التقسيم بين جهات الوطن وبين المواطنين بطرق مختلفة، مرّة على أساس التمييز الإثني، ومرّة أخرى على أساس اللغة والثقافة والحنين إلى فرادة ماض بعيد، وهلمّ جرّا.

خلال تلك الزيارة، تمّ تدشين ملعب رياضي جديد يقع في المدخل الغربي لمدينة تيزي وزو، ويتسع لـ 50 ألف متفرج، تمّ إنجازه بمواصفات عالمية. سُمّي هذا الملعب الضخم باسم أحد الزعماء الكبار لحركة التحرر الوطني الجزائري، وهو المجاهد الراحل حسين آيت أحمد المولود في إحدى قرى منطقة جرجرة القبائلية التابعة لهذه المحافظة، وهو أيضاً المؤسس التاريخي لحزب القوى الاشتراكية، علماً أن هذا الرجل - الرمز قضى جزءاً من حياته في المنفى بسويسرا.

في هذا الخصوص، يرى عدد معتبر من المؤرخين الجزائريين المعنيين بقضايا الثورة التحريرية الجزائرية وكتابة تاريخها، أن تكريم هذه الشخصية التاريخية في هذا الوقت بالذات بتسمية ملعب ذي طابع عالمي، يمثل أسلوباً إيجابياً في التعامل مع رموز الثورة الجزائرية، ويُنتظر أن يلعب هذا الأسلوب، إذا تواصل بلا استثناءات، دوراً مهماً في التمهيد لكتابة تاريخ حركة التحرر الوطني بموضوعية، بغضّ النظر عن الاختلافات السياسية والعقائدية التي وسمت بعض مراحل التاريخ الجزائري المعاصر.

ويلاحَظ أيضاً، أن زيارة الرئيس تبون لعاصمة القبائل الكبرى تيزي وزو قد تُوّجت بمعاينة عدد من مشاريع التنمية، وبالإعلان الرسمي عن تخصيص أغلفة مالية لعدد منها، مثل المستشفى الجامعي الذي سيتكوّن من مرافق حديثة مخصصة للعلاج، ومن 500 سرير ستُكرَّس لاستقبال ورعاية المرضى من طالبي العلاج في جميع دوائر وبلديات محافظة تيزي وزو، التي تقدّر على التوالي بـ21 دائرة و67 بلدية. وفي إطار التخفيف على المستشفيين القديمين في مدينة تيزي وزو، وعلى المستشفى الجامعي الذي سيتمّ تسليمه بالكامل في فترة زمنية لا تتجاوز ثلاث سنوات، أكّد تبون "إنجاز مستشفيات أخرى بطاقة استيعاب تتراوح بين 60 و 100 سرير" في محافظة تيزي وزو. وفي الخصوص، ينبغي التذكير بأن هناك عيادات عدة في تيزي وزو تابعة للقطاع الخاص، وهناك عيادة بحجم مستشفى تحمل اسم "الشهداء محمودي"، وتصنّف أكبر عيادة عصرية ومتطورة في أفريقيا.

فضلاً عن الإنجازات والمشاريع المذكورة، تمّ إقرار بناء "محطة تحلية مياه البحر في منطقة بتامده أوقمون، وقطب حضري بعزازقة، وسد بسيدي خليفة ببلدية أزفون، وسد بسوق نتلالة بمعاتقة، إضافة إلى مشروع إنجاز الطريق الذي يربط بين تيزي وزو والطريق السيار شرق - غرب".

إلى جانب ما تقدّم، وعد الرئيس تبون بإحداث بعض التغييرات في الهياكل الإدارية في محافظة تيزي وزو، وذلك بإنشاء محافظات منتدبة (ولايات تابعة لمحافظة تيزي وزو الأم) أو محافظات كاملة مستقلة عنها، وذلك بهدف تقريب المصالح الإدارية من المواطنين، والتحكّم في برامج التنمية وآلياتها.

في هذا الخصوص، قال الرئيس تبون: "بعد أكثر من 60 سنة من الاستقلال، حان الوقت لوضع تنظيم ملائم لمستقبل البلاد"، مضيفاً: "إذا اقتضت الظروف، سيتمّ إنشاء ولايات أخرى في تيزي وزو كما تمّ في ولايات الهضاب العليا والجنوب"، ويعني هذا إنشاء بلديات جديدة أيضاً، وفتح الآفاق لآمال عريضة لصالح المناطق التي ينبغي أن تؤهل، كي تلتحق بركب التنمية الحديثة. ففي هذا السياق يتساءل الملاحظون الجزائريون: هل سيتحقق حقاً حلم وضع الجزائر على سكة الحداثة والعصرنة اقتصادياً وصناعياً، وتسييراً إدارياً، ورفاهاً اجتماعياً، وتحديثاً تعليمياً وثقافياً؟