عبدالرحمن الحبيب

من الشعارات البيئية الجميلة للألعاب الأولمبية الحالية (2024)،إطلاق مفهوم «إنجاز المزيد بموارد أقل» (doing more with less)، لتتوافق مع أجندة الألعاب الأولمبية 2020 في طوكيو، التي بدورها احتضنت فلسفة رائعة للجنة الأولمبية الدولية في «أن المضيفين ليسوا مطالبين بالتكيف مع الألعاب؛ بل يجب أن تتكيف الألعاب مع المضيفين».

هذا يعني أنه ليست هناك حاجة إلى بنية تحتية أو أماكن جديدة (تصدر مزيد من الانبعاثات) لاستضافة الألعاب الأولمبية، بل يتم تشجيع المضيفين على إعطاء الأولوية للأماكن الموجودة، ثم النظر في الأماكن المؤقتة.

لا ينبغي بناء الأماكن الجديدة إلا إذا كان هناك إرث قوي وحالة تجارية، بما يتماشى مع الاحتياجات طويلة المدى للسكان، ودمج مبادئ الاستدامة البيئية في جميع جوانب التصميم والتخطيط والبناء. قد يبدو لدى كثير من الجماهير أنه لا علاقة بين الأولمبياد وتأثيراتها السلبية على البيئة، إلا أن المهتمين بالبيئة يؤكدون أن تغير المناخ وتلوث المياه وإزالة الغابات ليست سوى عدد قليل من العواقب التي تسببها الألعاب الأوليمبية.

بالأساس تحصل المدينة المضيفة الأولمبياد على مردود اقتصادي وسياحي إيجابي، وكذلك على سمعة دولية كقوة ناعمة، إلا أن ثمة تأثيرات سلبية على البيئة لأكبر الأحداث الرياضية في العالم.

توضح دراسة (Yuning Yang, 2022) أن متوسط البصمة الإجمالية البيئية للمشاركين في النشاط كان أكبر من بصمة المشاركين الذين بقوا في المنزل أثناء أنشطتهم اليومية.

يقصد بالبصمة الإجمالية البيئية للفرد مجموعة متنوعة من المصادر: تنقلاتك اليومية، والطعام الذي تتناوله، والملابس التي تشتريها، وكل ما تتخلص منه.. إلخ؛ وكلما كانت بصمتك أكبر، زاد الضغط على البيئة.

الدراسة أخذت في الاعتبار أربعة مكونات للبصمة في حساباتها (التنقلات واستهلاك الطعام والشراب والبنية الأساسية للحدث والنفايات)، فكانت النتيجة أن التأثير الإجمالي للبصمة البيئية للمشارك المتوسط في الحدث كان حوالي تسعة أضعاف متوسط «المعدل الكوكبي» للشخص الواحد في اليوم.

لذا، أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية أنه من خلال استراتيجية الاستدامة البيئية الخاصة بها فهي تلتزم بالمساهمة في خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، تماشيًا مع اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، مع حلول مبتكرة للطاقة والغذاء والأماكن المؤقتة والنقل وبقية الخدمات.

هذا كلام عسلي جميل لكن معاييره والتزاماته الجميلة قد تصطدم بتعقيدات أرض الواقع.

في مجال الاستدامة، أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية أنها ستلتزم في عدد من المجالات، مثل خفض انبعاثات الكربون الخاصة بها بنسبة 50 في المائة بحلول عام 2030، وستكون اللجان المنظمة ملزمة بخفض الانبعاثات المباشرة وغير المباشرة (رحلات السفر والتنقل)، واستخدام نفوذها لتشجيع أصحاب المصلحة والمشجعين، لاتخاذ إجراءات وسلوكيات لتسهيل الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون ضد تغير المناخ، وتعمل دورة باريس 2024 إلى خفض بصمتها الكربونية إلى النصف مقارنة بالألعاب الأولمبية السابقة.

كانت الأولمبياد السابقة في طوكيو بمثابة نقطة انطلاق لإدخال محطات الهيدروجين والحافلات التي تعمل بخلايا الوقود، كجزء من رؤية الحكومة اليابانية طويلة المدى لتحقيق الحياد الكربوني في اليابان، لتقليل التأثيرات السلبية على البيئة. وقد قدمت أجندة الألعاب الأولمبية 2020 عدة توصيات، بما في ذلك استخدام الأماكن الحالية والمؤقتة، والحد من انبعاثات الكربون وتعزيز مصادر الطاقة المستدامة.

هذه الطموحات الوردية : هل يمكن تنفيذها لتصور إمكانية ذلك من المفيد معرفة الوضع في الأولمبيادات السابقة؟ وفقاً لدراسة يوننج يانج المشار إليها، فإنه منذ عام 2000، على الرغم من أن كل دولة مضيفة تقريبًا اتخذت خطوات لاستضافة دورة ألعاب أولمبية مستدامة، إلا أنها لم تحقق ذلك بالفعل بل أضرت بالبيئة أكثر من أي وقت مضى.

ووفقاً لـQrius News، على سبيل المثال، في أولمبياد سيدني عام 2000، تم دفن النفايات الناتجة في الموقع دون فرز القمامة أو التخلص منها. وفي دورة الألعاب الأوليمبية لعام 2004 في أثينا، استخدموا أراضي شينياس الرطبة لسباقات مثل التجديف والتجديف بالقوارب، وهي واحدة من الأراضي الرطبة الطبيعية والغابات القليلة المتبقية في المنطقة.

أما أولمبياد ريو 2016 فقد ولَّدت أكثر من سبعة عشر ألف طن من النفايات واستخدمت مئتين وتسعين ألف جيجاوات من الكهرباء، معظمها من مصادر غير متجددة، وأكثر من تسعة وعشرين ألف لتر من الوقود.

بالإضافة إلى ذلك، انبعث من أولمبياد ريو أكثر من 3.6 مليون طن من الكربون في الهواء. كان لتلوث الهواء والتلوث الصناعي ونقص مرافق المياه تأثير سلبي طويل الأمد على المدينة المضيفة وشعبها.

توضح دراسة يوننج يانج أن الآليات التي تنشرها اللجنة الأولمبية الدولية للسيطرة على منظمي الألعاب غير فعالة لأنها تفشل في تغيير حوافز منظمي الألعاب نحو الامتثال لأهداف الاستدامة البيئية وأن التغييرات المقترحة مؤخرًا من خلال إصلاحات أجندة 2020 للجنة الأولمبية الدولية تفشل في معالجة هذه القضية، لأن مفهوم الاستدامة كانت دائمًا غامضة وفارغة في الفكر الأولمبي، حسب الدراسة التي تقترح أن ما نحتاج إلى القيام به هو إدراك وتشخيص مشاكلنا أثناء تحويل أفكارنا إلى واقع.