خالد بن حمد المالك

يمانع طرفا الصراع في السودان من الوصول إلى تفاهم لإيقاف الحرب، ولا يقبل أي منهما حتى الآن بحل لا يسمح له بأن يحقق الانتصار في هذه الحرب التي أكلت الأخضر واليابس، وقتلت وأصابت الآلاف، وشردت الملايين، وتحولت بعض الأحياء إلى أراضٍ محروقة، وأصبحت البلاد تئن من افتقارها للأمن، والمواطنون يعيشون في أجواء من الخوف، والطائرات والمسيرات والصواريخ والأسلحة الأخرى هي سيدة الموقف في السودان الحبيب.

* *

وكل طرف يدّعي أن الحق معه، وأنه لم يكن البادئ في القتال، وأن شرارة هذه المعارك لم تبدأ من عنده، وأنه ليس من يعرقل بدء الحوار للوصول إلى حل ينهي القتال، وأن غيره هو من يرفض القبول بما يعرضه الوسطاء، وما إلى ذلك من تبرئة للنفس، ومن التخلي عن مسؤوليتهما في بدء إشعال فتيل القتال في السودان.

* *

هناك دول تستفيد من هذا الصراع، ولها مصلحة من أن يكون السودان على هذا النحو من عدم الاستقرار، فيأتي الدعم الخارجي بالسلاح والمال لهذا الطرف وذاك، وسط توقعات وأماني من الداعمين باستمرار القتال، دون هزيمة أي طرف، ونحو مزيد من الأضرار للسودان وشعبه، مع تواصل المعارك، وضراوتها، وامتدادها، وربما مشاركة مرتزقة من الخارج عند الضرورة في مرحلة قادمة من مراحل القتال.

* *

وكل المحاولات التي قام بها الخيِّرون لإسكات مصادر النيران من الطرفين فشلت، وكل الاجتماعات التي عُقدت بحضور طرفي النزاع لم تحقق نتائج لوقف الحرب، مع أن المملكة تبنت مبكراً العمل على تطويق أسباب هذا النزاع ومعالجتها، وكان اجتماع جدة ثم إعلانه فرصة للوصول إلى توافق بين الجيش والدعم السريع، لإحلال السلام، وإنهاء الفتنة، وإعادة الأمن والاستقرار إلى هذا البلد المنكوب.

* *

خسائر بشرية واقتصادية، وفقدان للأمن يتعرض لها السودان، ولا من عاقل وحكيم بين المتقاتلين يُسارع لوضع حد لما يجري، ويرتفع فوق مستوى الخلافات، فيعلن من طرف واحد حقناً للدماء، قبوله بما يراه ويعرضه الوسطاء من حلول، فيجنب السودان مستقبلاً غامضاً، ووضعاً مأساوياً أكبر وأخطر مما يمر به الآن من تدمير، وقتل لكل الفرص المتاحة لإحلال السلام.

* *

لقد آن الأوان ليأخذ السودانيون بالقرارات والتوجهات التي تنقذ بلادهم من ويلات الحرب أو من الذهاب إلى ما يدمّر البلاد، وهذا يتطلب التنازلات من كل طرف، والقبول بما هو ممكن ومتاح، حتى لا تُجر البلاد إلى ما هو أسوأ وأخطر، خاصة حين تضيق فرص الحلول المتاحة الآن، ويصعب السيطرة على مفاتيح إشعال النار.

* *

على السودانيين أن يفكروا جيداً بمصالحهم، بمستقبلهم، بآثار القتال الذي قوّض كل ما بُني على مدى قرون وحوله إلى دمار شامل، إلى القتلى والجرحى، والسلاح الذي اشتري للدفاع عن البلاد والمواطنين، فإذا به يُقتل به المواطنون، وتُحول به بعض الأحياء إلى أنقاض، فالحلول الآن أسهل وأيسر وأفضل من أن يُعطى القتال مزيداً من الوقت، ومزيداً من التعقيدات، في ظل هروب الطرفين من الحلول المتاحة الآن.

* *

نحن نُحب السودان والسودانيين، ونتعاطف معهم، ونشعر بالألم إزاء ما يجري، ونحفّزهم بمثل هذه الكلمات، ونُخوفهم بها من استمرار القتال، ونتمنى عليهم عدم جر البلاد إلى أكثر مما حدث، والإصغاء إلى ما يقترحه المحبون من حلول عادلة، وأن يقدروا دورهم، مع احترام وتثمين وقوفهم على مسافة واحدة من الطرفين، وعليهم الابتعاد عن أي جهة تسعى إلى تأجيج الصراع، واستمرار الفتنة، والتشجيع على مواصلة القتال، فهؤلاء ضد مصلحة السودان وشعبه، وكان الله في عونكم إخوتنا في السودان.