أحمد المغلوث

على بعد خطوات من «قيصرية» المبرز يقع مخبز «الشعلان» والذي كان والحق يقال إن صاحبه أشهر خباز يتفنن في خبز الخبز الأحمر الذي بات شهيراً ليس في مدينته المبرز فحسب وإنما في الأحساء وخارج الأحساء. فلا عجب أن تجد العشرات يقفون أمام المخبز في انتظار حصتهم من خبزه الأحمر الشهي والمعجون بالتمر وربما تشاهد أكثر من رجل أو فتى أو حتى امرأة تقف بعيداً عن طابور الرجال جميعهم جاؤوا من أقصى المدينة.

صحيح هناك مخابز تخبز نفس الخبر في مدن وبلدات المنطقة لكن خبز الشعلان بات مطلوباً وعلامة تجارية لا يوجد لها شعار ولا مثيل إلا من خلال السمعة الحسنة والمذاق الطيب. وكنت وأنا فتى لا يتجاوز عمري الثانية عشرة مسؤولاً عن شراء الخبز من العم علي في الصباح الباكر. وبعد صلاة المغرب، ومع أن الطابور طويل ويمتد لمسافة فلا تشعر أن أحدهم تبدو عليه ملامح الضيق أو التعب من طول انتظاره فسوف تجد من جلس القرفصاء وعلامات الرضا بادية على وجهه ومن اتكأ على دراجته أو استند على جدار المخبز وسوف يلاحظ من مر بجانب المخبز الشعلاني أن عدداً كبيراً ممن ينتظرون الخبز يحملون في أيديهم «فوط» وقبل أن يتساءل ما هو سبب حملهم لها تأتيك الإجابة سريعاً عندما تشاهد المحظوظ الذي حصل على نصيبه من الخبز وتكاد ابتسامته تسبق فرحته وسعادته كونه حصل على مبتغاه، وملامحه تكشف ذلك، وكأن هذا المشهد السعيد يحرك أوتار السعادة والبهجة داخل قلوب كل من حظي بالحصول على حصة بيته من هذا الخبز الشهي, نسيت أن أقول حتى جدران معدته..أنا هنا لا أحلم ولكن ذاكرتي تساعدني على نقل صورة بانورامية لهذا المشهد لكنه واقع عشته لعدة سنوات، بل أتصور أن المئات الذين في عمري أمد الله في أعمارهم كانوا يتذكرون ذلك، بل أكاد أتذكر بعضاً منهم عندما كانوا في طابور الخبز الحساوي الأحمر. كانت رائحة الخبز الطازجة تثير الشهية وكم يد امتدت لداخل «الفوطة» لتقتطع لها قطعة ساخنة من الخبز ويتناولها على عجل قبل الوصول إلى بيته، ولم تكن هذه القطعة التي التهمها بسرعة هو وأمثاله الفتيان سرقة من خبز بيوتهم لا وألف لا وإنما اعتاد العم الشعلان على زياة عدد الخبز ما بين خبزة أو خبزتين ومن يعرفه يضع عدداً من الخبز الحنيني الصغير والذي لا يتجاوز حجم الواحدة منه كف اليد عندما تقبضها. جاء دوره وتسلم ما طلبه من الخبز وتسلم نصيبه من الحنيني له ولأشقائه، فحمل حمله الغالي على دراجته الريلي المسفوفة أعمدتها بشرائط بلاستيكية خفيفة وملونة والذي سفها له فنان موهوب ومبدع لا يمكن أن ينساه فكان مساعداً له

في المرحلة الابتدائية في رسم الصحف الحائطية وجداريات النشاطات المدرسية بالمدرسة الابتدائية الثانية إنه «علي الفجري» والذي رحل مبكراً إثر حادث دراجة نارية رحمه الله.. ركب دراجته وساقها في الطريق المترب مروراً بالمدرسة الأولى بالمبرز جنوب القيصرية وشاهد عدداً كبيراً من باعة البرسم وهم يعرضون بضاعتهم وبعض الخضار خاصة الورقيات والرطب الذي يكاد ينادي من خلال الأقفاص التي وضع فيها تعالوا اشتروا القفص بريالين ردد بينه وبين نفسه كان الله في عونهم سوف يبيعونه قبل المغرب بريال. من المهم أن يعود كل واحد منهم لبيته وفي جيبه بعض المال..

عند ناصية مدخل القيصرية كان هناك أكثر من بائع وأمامهم عددٌ من «الخياش» المكتنزة بالجراد وبعضهم يردد لا يفوتكم «المكن» تذكر ذلك وهو يقرأ عن اختيار «خبز الحسا الأحمر وكليجا بريدة، وخبز المله الطائفي ضمن مخبوزات المدن المبدعة في اليونسكو كم أنت مبدعة يا بلادي»..