علي حمادة
من يراقب التصريحات والمواقف التي تخرج بها مختلف الأطراف المعنية بالمفاوضات التي شهدتها العاصمة القطرية الدوحة يومي 15 و16 آب – أغسطس الماضيين يكتشف حجم الاختلاف في تقييم ما خرجت به الاجتماعات التي توالت طوال48 ساعة. وللتذكير كان مجموع اجتماعات الدوحة من الأهمية بمكان ان بعض المراقبين وصفوها بـ “القمة". فللمرة الأولى منذ عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول- أكتوبر 2023 وصل الوفد الإسرائيلي الى الاجتماع حاملا تفويضا وان محدودا للبت ببعض البنود. وهذا الامر جديد باعتبار ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان على الدوام يرفض منح الوفود المفاوضة تفويضا حتى في النقاط التفصيلية.
هذه المرة ثمة جديد مرده الى عاملين: الضغط الأميركي الهائل الذي يمارس على إسرائيل تحت بند التحشيد العسكري غير المسبوق لحمايتها من رد ايران و "حزب الله" على عمليتي اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، والقائد العسكري لـ “حزب الله" فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، والثاني ضغط المؤسسة الأمنية التي أبدت منذ مدة اقتناعها بأنه بات يتعين الذهاب الى صفقة لإطلاق سراح الرهائن الذين يتناقص عددهم باستمرار الى حد انه ما عاد من الممكن المماطلة من قبل الحكومة الإسرائيلية.
طبعاً، واستنادا الى العامل الأول، شكلت التهديدات بالرد عل الاغتيالات الإسرائيلية، من ايران ولبنان في آن معاً، حافزا دوليا، أولا لتجنبها وثانيا للانطلاق منها نحو تسوية تجبر الإيرانيين على الغاء الرد الذي يقدر جدا ان يستتبع برد من إسرائيل، ثم ربما بحرب إقليمية. وبهذا المعنى تفترض الادارة الأميركية انها من خلال التغيير في المعطى الأميركي الداخلي بعد انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق الرئاسي وحلول نائبته كاملا هاريس مكانه مرشحة عن الحزب الديموقراطي، يمكن للرئيس بايدن التحرر من ضغوط الترشيح وتقوية موقف الإدارة، لاسيما تجاه بنيامين نتنياهو. واليوم الاثنين بالذات موعد انطلاق المؤتمر العام للحزب الذي سيصادق على ترشيح هاريس للانتخابات الرئاسية المقبلة في ٥ تشرين الثاني- نوفمبر المقبل. والرئيس بايدن يبدو بعد ان تحرر من السباق الانتخابي اكثر تصميما واندفاعا في فرض اجندة الولايات المتحدة على الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة. فواشنطن تصر على الصفقة في غزة، وتقبل ان تبقى ورقة العودة الى الحرب بيد إسرائيل. وفيما تستغل التحشيد الكبير دفاعا عن إسرائيل لمنع الرد الإيراني فإنها تقدم الجزرة فتمنح تل ابيب مساعدات عسكرية هائلة، بدءا من صفقة 50 طائرة "اف-15 آي أي" وهي الطراز الاحدث، وتسليم شحنات من الصواريخ للدفاعات الجوية، وأخرى جو-جو للمقاتلات، وذخائر للمدفعية وللدبابات. بهذا المعنى تعيد إدارة الرئيس بايدن استخدام ورقة الامدادات العسكرية بشكل معاكس.
في المرة السابقة كان الضغط من خلال تأخير تسليم شحنات القنابل الموجهة الثقيلة من فئة "ام كي-82-83-84". ثم عادت واشنطن واكتفت بتسليم 1800 قنبلة "ام كي82 " وزن رأسها الحربي 250 كلغ. الآن تضغط بالعكس فتطلب تنازلات في مقابل تسليم "ام كي – 84 " المسماة "بنكر باستر" الخاصة بالأنفاق والتحصينات، إضافة الى "طائرات "اف-15 آي أي".
تعتبر الإدارة الأميركية ان الفرصة سانحة لإنجاز اتفاق هذا الأسبوع. الرئيس بايدن الذي يتحدث اليوم في المؤتمر العام للديموقراطيين قال ان المساعي ادت الى تقليص الفجوات بحيث اصبح من الممكن التحدث عن صفقة الاسبوع المقبل، ويشكل وصول وزير الخارجية انطوني بلينكن الى إسرائيل مناسبة لإعطاء زخم إضافي الى البعد الدبلوماسي، والتنسيق مع المصريين والقطريين المولجين بحمل "حماس" بقيادة يحيى السنوار على القبول بأفضل الممكن، أي صفقة اطلاق اسرى بينهم من الأسماء الكبيرة على ان بتم ترحيلهم، وتخفيف السيطرة الإسرائيلية على محاور فيلادلفيا ورفح ونيتساريم، ووقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع،قبل الولوج الى المرحلة التالية.
اما في إسرائيل، فيبدو ان الضغط الأميركي وضغط المؤسسة الأمنية- العسكرية قد يفلحان في حمل نتنياهو على المجازفة بقبول صفقة وتحمل أزمة حكومية قد تنشأ عن انسحاب حزبي "عوتسما يهوديت" و"الصهيونية الدينية" من الائتلاف الحكومي. في مطلق الأحوال ستتوجه كل الأنظار يوم الأربعاء المقبل الى العاصمة المصرية القاهرة حيث يمكن ان يعقد اجتماع حاسم لإنجاز الصفقة... هذا ان لم تحصل تطورات من شأنها ان تنسف المسار الدبلوماسي.
التعليقات