من أجمل صور الإطراء، التي سمعتها من صديق وشريك سابق، غادر الكويت، وعاد إليها ليومين، بعد سنوات غياب طويلة، ما قاله بعد العشاء واسترجاع ذكريات، بأنني الشخص نفسه، الذي تركه قبل ثلاثين عاماً، وإنني لم أتغيّر!

استغربت كلامه، فقد تغيّرت كثيراً، فأضاف أنه يقصد المبادئ الأساسية، وليس الشكل والآراء العامة، فقضايا الساعة عرضة للتغيير، مع تغيّر الطرف الآخر، وتغيّر الظروف.

أكتب بمناسبة ما أصبح البعض يقوم باستعادته من مقتطفات من مقالات أو تغريدات، تتعلق ببعض مواقفي، من قضايا خلافية، ونشرها للتدليل على «تقلّبي»، وهذا مضحك ودليل قلّة فهم، فالآراء والمواقف تتغيّر تبعاً لتغيّر الظروف، وهذا أمر طبيعي. ما هو غير الطبيعي اعتقاد البعض أن بقاء آرائهم ومواقفهم، كما هي، لثلاثين أو أربعين عاماً، يعني أنهم أفضل من غيرهم، وأنهم دائماً على حق.

قمت بالاتصال بصديق عربي أمريكي، كان جرّاح مخ شهيراً في منطقته، لكنه ترك تخصصه، ليصبح استشارياً نفسياً! بالرغم من أن الأمر تطلّب منه سنوات دراسة إضافية، فإنه لم يتردد، ولأسباب كثيرة، أهمها الضغوط النفسية، التي كان يتعرّض لها، فجراحة المخ تتطلب دقة شديدة وقرارات حاسمة تحت ضغط كبير، وأي خطأ بسيط قد يؤدي إلى مضاعفات أو حتى إلى وفاة المريض، بخلاف الإجهاد البدني والعقلي، وفترات العمل الطويلة، وخاصة خلال العمليات الجراحية المعقدة، وتوسلات وتوقعات المريض وأسرته العالية، وما كان لذلك من أثر سلبي على حياته المهنية والشخصية.

تعتبر جراحة المخ من المجالات ذات المخاطر، وبالتالي، فإن تكاليف التأمين ضد الأخطاء الطبية تكون مرتفعة للغاية. هذا يزيد من العبء المالي على الجراح، وغيرها من ضغوط العمل والجوانب القانونية.

اتصلت به وسألته عن وصف علمي لمريض وصاحب عقدة، ومن الذين يكثرون العتاب، ويحاسبون غيرهم على كل زلة، ولو بسيطة، ولا صبر لديهم لفهم ما يقوله غيرهم، ويكرهون العفو، ولا يطيقونه، وعلى غير استعداد لإيجاد أي عذر لمن يخطئ، وهذا ما ذكره كتابة!

أخبرني الدكتور أنه سيرسل الرد كتابياً، فكان التالي:

صاحبك يشكو من «الصلابة المعرفية» أو Cognitive Rigidity، ولديه نقص المرونة العقلية، حيث يكون الشخص غير قادر أو غير راغب بالتكييف في تفكيره مع المعلومات الجديدة أو الظروف المتغيرة، وغالباً ما ترتبط الصلابة المعرفية بالسن، لكن يمكن أن ترتبط أيضاً بسمات شخصية معينة.

كما قد يشكو من الانحياز التأكيدي أو Confirmation Bias، فقد يقوم الشخص بشكل انتقائي بمعالجة المعلومات، التي تدعم معتقداته الموجودة مسبقاً، متجاهلاً أو رافضاً الأدلة التي تتعارض معها، هذا التحيّز يمكن أن يؤدي إلى نظرة راكدة.

كما لديه خوف من التغيير، Fear of Change، فنراه يقاوم تغيير معتقداته بسبب الخوف من عدم اليقين، أو فقدان الهوية، أو الانزعاج المرتبط بتحدي وجهات النظر الراسخة منذ فترة طويلة.

كما أن لديه كماً كبيراً من العناد Stubbornness، فنجده يقاوم التغيير والرأي الآخر بشراسة، ربما بسبب الفخر، أو الشعور الدائم، والزائف غالباً، بصحة ما يعلم، أو الرغبة في الحفاظ على ما لديه من معلومات، أو من اتهامه بالضعف، أو أن يظهر بصورة المخطئ.

أنهى الدكتور رسالته بالقول: لكل هذه الأسباب، وغيرها، من الأفضل تجنّب الاحتكاك به، وعدم الرد على تهجمه، فهو مريض معقّد، ويحتاج إلى الرعاية أكثر من حاجته إلى النصيحة!


أحمد الصراف